يستحق منهم من يأخذها صدقة بالفقر دون غيره وإنما ذكر الأصناف لما يعمهم من أسباب الفقر دون من لا يأخذها صدقة من المؤلفة قلوبهم والعاملين عليها فإنهم لا يأخذونها صدقة وإنما تحصل في يد الإمام صدقة للفقراء ثم يصرف إلى المؤلفة قلوبهم والعاملين ما يعطون على أنه ليس بصدقة لكن عوضا من العمل ولدفع أذيتهم عن أهل الإسلام أو ليستمالوا به إلى الإيمان* ومن المخالفين من يحتج بذلك في جواز إعطاء جميع الصدقات للفقراء دون الإمام وأنهم إذا أعطوا الفقراء صدقة المواشي سقط حق الإمام في الأخذ لقوله تعالى (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) وذلك عام في سائرها لأن الصدقة هاهنا اسم للجنس* وليس في هذا عندنا دلالة على ما ذكروا لأن أكثر ما فيه أنه خير للمعطى فليس فيه سقوط حق الإمام في الأخذ وليس كونها خيرا له نافيا لثبوت حق الإمام في الأخذ إذ لا يمتنع أن يكون خيرا لهم ويأخذها الإمام فيتضاعف الخير بأخذها ثانيا وقد قدمنا قول من يقول إن هذا في صدقة التطوع* ومن أهل العلم من يقول إن الإجماع قد حصل على أن إظهار صدقة الفرض أولى من إخفائها كما قالوا في الصلوات المفروضة ولذلك أمروا بالاجتماع عليها في الجماعات بأذان وإقامة وليصلوها ظاهرين فكذلك سائر الفروض لئلا يقيم نفسه مقام تهمة في ترك أداء الزكاة وفعل الصلاة قالوا فهذا يوجب أن يكون قوله تعالى (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) في التطوع خاصة لأن ستر الطاعات النوافل أفضل من إظهارها لأنه أبعد من الرياء وقد روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال سبعة يظلهم الله في ظل عرشه أحدهم رجل تصدق بصدقة لم تعلم شماله ما تصدقت به يمينه وهذا إنما هو في التطوع دون الفرض ويدل على أن المراد صدقة التطوع أنه لا خلاف أن العامل إذا جاء قبل أن تؤدى صدقة المواشي فطالبه بأدائها أن الفرض عليه أداؤها إليه فصار إظهار أدائها في هذه الحال فرضا وفي ذلك دليل على أن المراد بقوله تعالى (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ) صدقة التطوع والله تعالى أعلم بالصواب.
باب إعطاء المشرك من الصدقة
قال الله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) قال أبو بكر ما تقدم في هذا الخطاب وما جاء في نسقه يدل على أن قوله تعالى