كنجاسة دم الحيض وسائر الأنجاس ويجيبون أيضا على تخصيصه إباحة موضع الحرث باتفاق الجميع على إباحة الجماع فيما دون الفرج وإن لم يكن موضعا للولد فدل على أن الإباحة غير مقصورة على موضع الولد ويجابون عن ذلك بأن ظاهر الآية يقتضى كون الإباحة مقصورة على الوطء في الفرج وأنه هو الذي عناه الله تعالى بقوله (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) إذ كان معطوفا عليه ولولا قيام دلالة الإجماع لما جاز الجماع فيما دون الفرج ولكنا سلمناه للدلالة وبقي حكم الحظر فيما لم تقم الدلالة عليه.
قوله تعالى (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) الآية قد قيل فيه وجهان أحدهما أن تجعل يمينه مانعة من البر والتقوى والإصلاح بين الناس فإذا طلب منه ذلك قال قد حلفت فيجعل اليمين معترضة بينه وبين ما هو مندوب إليه أو هو مأمور به من البر والتقوى والإصلاح فإن حلف حالف أن لا يفعل ذلك فليفعل وليدع يمينه ويروى ذلك عن مجاهد وسعيد بن جبير وإبراهيم والحسن وطاوس وهو نظير قوله تعالى (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ) وروى أشعث عن ابن سيرين قال حلف أبو بكر في يتيمين كانا في حجره كانا فيمن خاض في أمر عائشة أحدهما مسطح وقد شهد بدرا أن لا يصلهما وأن لا يصلهما منه خيرا فنزلت هذه الآية (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) فكسا أحدهما وحمل الآخر وقد ورد معناه في السنة أيضا وقد روى أنس بن مالك وعدى بن حاتم وأبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) وهذا هو معنى قوله تعالى (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) على التأويل الذي ذكرنا لأن معناه على هذا التأويل أن لا يمنع بيمينه من فعل ما هو خير بل يفعل الذي هو خير ويدع يمينه والوجه الثاني أن يكون قوله (عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) يريد به كثرة الحلف وهو ضرب من الجرأة على الله تعالى وابتذال لاسمه في كل حق وباطل لأن تبروا في الحلف بها وتتقوا المأثم فيها وروى نحوه عن عائشة من أكثر ذكر شيء فقد جعله عرضة يقول القائل قد جعلتني عرضة للوم وقال الشاعر لا تجعلينى عرضة اللوائم وقد ذم الله تعالى مكثرى الحلف بقوله (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) فالمعنى لا تعترضوا اسم الله وتبذلوه في كل شيء لأن تبروا إذا حلفتم وتتقوا المآثم فيها إذا قلت أيمانكم لأن كثرتها تبعد من البر والتقوى