وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) وهذه الآية ونظائرها يحتج بها على نفى الحرج والضيق والثقل في كل أمر اختلف الفقهاء فيه وسوغوا فيه الاجتهاد فالموجب للثقل والضيق والحرج محجوج بالآية نحو إيجاب النية في الطهارة وإيجاب الترتيب فيها وما جرى مجرى ذلك في نفى الضيق والحرج يجوز لنا الاحتجاج بالظواهر التي ذكرناها قوله تعالى (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) قيل فيه وجهان أحدهما ما يشتد ويثقل من التكليف كنحو ما كلف بنو إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم وجائز أن يعبر بما يثقل أنه لا يطيقه كقولك ما أطيق كلام فلان ولا أقدر أن أراه ولا يراد به نفى القدرة وإنما يريدون أنه يثقل عليه فيكون بمنزلة العاجز الذي لا يقدر على كلامه ورؤيته لبعده من قلبه وكراهته لرؤيته وكلامه وهو كما قال تعالى (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) وقد كانت لهم أسماع صحيحة إلا أن المراد أنهم استثقلوا استماعه فأعرضوا عنه وكانوا بمنزلة من لم يسمع والوجه الثاني أن لا يحملنا من العذاب ما لا نطيقه وجائز أن يكون المراد الأمرين جميعا والله أعلم بالصواب.
سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) إلى آخر القصة* قال الشيخ أبو بكر قد بينا في صدر الكتاب معنى المحكم والمتشابه وأن كل واحد منهما ينقسم إلى معنيين أحدهما يصح وصف القرآن بجميعه والآخر إنما يختص به بعض القرآن دون بعض قال الله تعالى (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) وقال تعالى (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) فوصف جميع القرآن في هذه المواضع بالأحكام وقال تعالى (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ) فوصف جميعه بالمتشابه ثم قال في موضع آخر (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) فوصف هاهنا بعضه بأنه محكم وبعضه متشابه والأحكام الذي عم به الجميع هو الصواب والإتقان اللذان يفضل بهما القرآن كل قول وأما موضع الخصوص في قوله تعالى (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) فإن المراد به اللفظ الذي لا اشتراك فيه ولا يحتمل عند سامعه إلا معنى واحدا وقد ذكرنا اختلاف الناس فيه إلا أن هذا المعنى لا محالة قد انتظمه لفظ الأحكام المذكور في هذه الآية وهو الذي جعل