وقد روى ذلك عن الربيع ابن أنس وقاله الفراء أيضا* وأما قوله (أَوْ ضَعِيفاً) فقد قيل فيه الضعيف في عقله أو الصبى المأذون له لأن ابتداء الآية قد اقتضى أن يكون الذي عليه الحق جائز المداينة والتصرف فأجاز تصرف هؤلاء كلهم فلما بلغ إلى حال إملاء الكتاب والإشهاد ذكر من لا يكمل لذلك إما لجهل بالشروط أو لضعف عقل لا يحسن معه الإملاء وإن لم يوجب نقصان عقله حجرا عليه وإما لصغر أو لخوف وكبر سن لأن قوله تعالى (أَوْ ضَعِيفاً) محتمل للأمرين جميعا وينتظمهما وذكر معهما من لا يستطيع أن يمل هو إما لمرض أو كبر سن انفلت لسانه عن الإملاء أو لخرس ذلك كله محتمل وجائز أن تكون هذه الوجوه مرادة لله تعالى لاحتمال اللفظ لها وليس في شيء منها دلالة على أن السفيه يستحق الحجر وأيضا فلو كان بعض من يلحقه اسم السفيه يستحق الحجر لم يصح الاستدلال بهذه الآية في إثبات الحجر وذلك لأنه قد ثبت أن السفيه لفظ مشترك ينطوى تحته معان مختلفة منها ما ذكرنا من السفه في الدين وذلك لا يستحق به الحجر لأن الكفار والمنافقين سفهاء وهم غير مستحقين للحجر في أموالهم ومنها السفه الذي هو البذاء والتسرع إلى سوء اللفظ* وقد يكون السفيه بهذا الضرب من السفه مصلحا لماله غير مفسده ولا مبذره وقال تعالى (إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) قال أبو عبيدة يريد أهلكها وأوبقها* وروى عن عبد الله بن عمر حين قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم إنى أحب أن يكون رأسى دهينا وقميصي غسيلا وشراك نعلى جديدا أفمن الكبر هو يا رسول الله قال لا إنما الكبر من سفه الحق وغمص الناس وهذا يشبه أن يريد من جهل الحق لأن الجهل يسمى سفها والله تعالى أعلم.
ذكر اختلاف فقهاء الأمصار في الحجر على السفيه
كان أبو حنيفة رضى الله عنه لا يرى الحجر على الحر البالغ العاقل لا لسفه ولا لتبذير ولا لدين وإفلاس وإن حجر عليه القاضي ثم أقر بدين أو تصرف في ماله ببيع أو هبة أو غيرهما جاز تصرفه وإن لم يؤنس منه رشد فكان فاسدا ويحال بينه وبين ماله ومع ذلك إن أقر به لإنسان أو باعه جاز ما صنع من ذلك وإنما يمنع من ماله ما لم يبلغ خمسة وعشرين سنة فإذا بلغها دفع إليه ماله وإن لم يؤنس منه رشد وقول عبيد الله بن الحسن في الحجر كقول أبى حنيفة وروى شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال لا يحجر على حر وروى ابن