صلّى الله عليه وسلّم فيها صلاة الخوف فدل ذلك على أن ترك النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاة الخوف إنما كان للقتال لأنه يمنع صحتها وينافيها* ويستدل بهذه الآية من يقول إن الخائف تجوز له الصلاة وهو ماش وإن كان طالبا لقوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) وليس هذا كذلك لأنه ليس في الآية ذكر المشي ومع ذلك فالطالب غير خائف لأنه إن انصرف لم يخف والله سبحانه إنما أباح ذلك للخائف وإذا كان مطلوبا فجائز له أن يصلى راكبا وماشيا إذا خاف* وأما قوله (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) لما ذكر الله تعالى حال الخوف وأمر بالصلاة على الوجه الممكن من راجل وراكب ثم عطف عليه حال الأمن بقوله تعالى (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ) دل ذلك على أن المراد ما تقدم بيانه في حال الخوف وهو الصلاة فاقتضى ذلك إيجاب الذكر في الصلاة وهو نظير قوله تعالى (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً) ونظيره أيضا قوله تعالى (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) وقوله تعالى (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) فتضمنت هذه المخاطبة من عند قوله تعالى (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) الأمر بفعل الصلاة واستيفاء فروضها وشروطها وحفظ حدودها وقوله تعالى (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) تضمن إيجاب القيام فيها ولما كان القنوت اسما يقع على الطاعة اقتضى أن يكون جميع أفعال الصلاة طاعة وأن لا يتخللها غيرها لأن القنوت هو الدوام على الشيء فأفاد ذلك النهى عن الكلام فيها وعن المشي وعن الاضطجاع وعن الأكل والشرب وكل فعل ليس بطاعة لما تضمنوا للفظ من الأمر بالدوام على الطاعات التي هي من أفعال الصلاة والنهى عن قطعها بالاشتغال بغيرها لما فيه من ترك القنوت الذي هو الدوام عليها واقتضى أيضا الدوام على الخشوع والسكون لأن اللفظ ينطوى عليه ويقتضيه فانتظم هذا اللفظ مع قلة حروفه جميع أفعال الصلاة وأذكارها ومفروضها ومسنونها واقتضى النهى عن كل فعل ليس بطاعة فيها والله الموفق والمعين.
باب الفرار من الطاعون
قال الله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) قال ابن عباس كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون فماتوا فمر عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم فأحياهم الله* وروى عن الحسن أيضا أنهم