يستحق بها الثواب الجزيل لأن الله مدح هؤلاء الذين قتلوا حين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وروى أبو سعيد الخدري وغيره عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وفي بعض الروايات يقتل عليه وروى أبو حنيفة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل تكلم بكلمة حق عند سلطان جائر فقتل قال عمرو بن عبيد لا نعلم عملا من أعمال البر أفضل من القيام بالقسط يقتل عليه* وإنما قال الله تعالى (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) وإن كان الأخبار عن أسلافهم من قبل أن المخاطبين من الكفار كانوا راضين بأفعالهم فأجملوا معهم في الأخبار بالوعيد لهم وهذا كقوله تعالى (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ) وقوله تعالى (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فنسب القتل إلى المخاطبين لأنهم رضوا بأفعال أسلافهم وتولوهم عليها فكانوا مشاركين لهم في استحقاق العذاب كما شاركوهم في الرضا بقتل الأنبياء عليهم السّلام* قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ) الآية روى عن ابن عباس أنه أراد اليهود حين دعوا إلى التوراة وهي كتاب الله وسائر الكتب التي فيها البشارة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم فدعاهم إلى الموافقة على ما في هذه الكتب من صحة نبوته كما قال تعالى في آية أخرى (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فتولى فريق من أهل الكتاب عن ذلك لعلمهم بما فيه من ذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم وصحة نبوته ولو لا أنهم علموا ذلك لما أعرضوا عند الدعاء إلى ما في كتبهم وفريق منهم آمنوا وصدقوا لعلمهم بصحة نبوته ولما عرفوه من التوراة وكتب الله من نعته وصفته* وفي هذه الآية دلالة على صحة نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنهم لو لا أنهم كانوا عالمين بما ادعاه مما في كتبهم من نعته وصفته وصحة نبوته لما أعرضوا عن ذلك بل كانوا يسارعون إلى الموافقة على ما في كتبهم حتى يتبينوا بطلان دعواه فلما أعرضوا ولم يجيبوا إلى ما دعاهم إليه دل ذلك على أنهم كانوا عالمين بما في كتبهم من ذلك وهو نظير ما تحدى الله تعالى به العرب من الإتيان بمثل سورة من القرآن فأعرضوا عن ذلك وعدلوا إلى القتال والمحاربة لعلمهم بالعجز عن الإتيان بمثلها وكما دعاهم إلى المباهلة في قوله تعالى (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ) ـ إلى قوله تعالى ـ (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)