إن الله فرض عليهم حقا في أموالهم يؤخذ من أغنيائهم ويرد على فقرائهم فكانت الصدقات التي أخذها إلى الإمام مخصوصة من هذه الجملة فلذلك قال أبو حنيفة كل صدقة ليس أخذها إلى الإمام فجائز إعطاؤها أهل الذمة وما كان أخذها إلى الإمام لا يعطى أهل الذمة فيجيز إعطاء الكفارات والنذور وصدقة الفطر أهل الذمة* فإن قيل فزكاة* المال ليس أخذها إلى الإمام ولا يجوز أن تعطى أهل الذمة* قيل أخذها في الأصل إلى الإمام وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يأخذها وكذلك أبو بكر وعمر فلما كان عثمان قال للناس إن هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده ثم ليزك بقية ماله فجعل أرباب الأموال وكلاء له في أدائها ولم يسقط في ذلك حق الإمام في أخذها وقال أبو يوسف كل صدقة واجبة فغير جائز دفعها إلى الكفار قياسا على الزكاة* قوله تعالى (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) الآية يعنى والله أعلم النفقة المذكورة بديا والمراد بها الصدقة وروى عن مجاهد والسدى المراد فقراء المهاجرين* وقوله تعالى (أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) قيل إنهم منعوا أنفسهم التصرف في التجارة خوف العدو من الكفار روى ذلك عن قتادة لأن الإحصار منع النفس عن التصرف لمرض أو حاجة أو مخافة فإذا منعه العدو قيل أحصره* وقوله تعالى (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) يعنى والله أعلم الجاهل بحالهم وهذا يدل على أن ظاهر هيئتهم وبزتهم يشبه حال الأغنياء ولو لا ذلك لما ظنهم الجاهل أغنياء لأن ما يظهر من دلالة الفقر شيئان أحدهما بذاذة الهيئة ورئاثة الحال والآخر المسألة على أنه فقير فليس يكاد يحسبهم الجاهل أغنياء إلا لما يظهر له من حسن البزة الدالة على الغنى في الظاهر* وفي هذه الآية دلالة على أن من له ثياب الكسوة ذات قيمة كثيرة لا تمنعه إعطاء الزكاة لأن الله تعالى قد أمرنا بإعطاء الزكاة من ظاهر حاله مشبه لأحوال الأغنياء ويدل على أن الصحيح الجسم جائز أن يعطى من الزكاة لأن الله تعالى أمر بإعطاء هؤلاء القوم وكانوا من المهاجرين الذين كانوا يقاتلون مع النبي صلّى الله عليه وسلّم المشركين ولم يكونوا مرضى ولا عميانا* وقوله عز وجل (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) فإن السيما العلامة قال مجاهد المراد به هنا التخشع وقال السدى والربيع بن أنس هو علامة الفقر وقال الله تعالى (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) يعنى علامتهم فجائز أن تكون العلامة المذكورة في قوله تعالى (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) ما يظهر في وجه الإنسان من كسوف