فأصله «الفتوية» و «النّدوية» و «الفتوي» ولكنهم أبدلوا الياء واوا للضمة قبلها ، ولم يعتدوا بالواو الساكنة حاجزا لضعفها ، فلما قلبوا الياء واوا أدغموا الأولى فيها ، فصحت لأن الأولى حصّنتها بإدغامهم إياها فيها ، ولو لا أن الأولى أدغمت في الآخرة لما جاز أن تقع واو في اسم طرفا بعد ضمة ، وهذا واضح.
ويدل على أن «النّدوّة» من الياء قولهم : «لفلان تكرم وندى» بالإمالة ، فدلت الإمالة على أنه من الياء. فأما قولهم : «النّداوة» فالواو فيه بدل من ياء ، وأصله «نداية» لما ذكرنا من الإمالة في «النّدى» ولكن الياء قلبت واوا لضرب من التوسع ، وسنذكر أمثال هذا.
اعلم أنهم قد قلبوا الياء واوا لا لعلة سوى تعويض الواو (١) قلبها ياء (٢) لكثرة دخول الياء عليها ، وذلك قولهم : «جبيت الخراج جباوة» وأصلها «جباية» (٣).
وقالوا : «رجاء بن حيوة» وأصلها «حيّة» (٤) فقلت الياء التي هي لام واوا.
وقالوا : «هذا أمر ممضوّ عليه» أي «ممضيّ». وقالوا : «هي المضواء» (٥) وأصلها «مضياء». وقالوا : «هو أمور بالمعروف نهوّ عن المنكر» وهي من «نهيت».
وقالوا : «شربت مشوّا» وهو من «مشيت» لأنه الدواء الذي يمشى عنه (٦) ، وكأنهم إنما أبدلوا الياء واوا في «نهوّ» و «مشوّ» ولم يقولوا «نهيّ» و «مشيّ» لأنهم أرادوا بناء «فعول» فكرهوا أن يلتبس بـ «فعيل».
و «الحيوان» أصله «الحييان» فقلبت الياء التي هي لام واوا استكراها لتوالي الياءين ليختلف الحرفان ، هذا مذهب الخليل (٧) وسيبويه (٨) وأصحابهما (٩) إلا أبا عثمان
__________________
(١) في النسخ كلها «الياء» والصواب ما أثبتناه.
(٢) في النسخ كلها «واو» والصواب ما أثبتناه.
(٣) الجباية : الجمع والتحصيل. لسان العرب (١٤ / ١٢٨).
(٤) حية : نوع من أخبث الحيات.
(٥) المضواء : التقدم.
(٦) المشو : الدواء المسهل.
(٧) المنصف (٢ / ٢٨٥) (ضمن تصريف المازني) ، والمسائل البغداديات (ص ٢٣٢).
(٨) الكتاب (٢ / ٣٨٨ ، ٣٩٤) ، والمسائل البغداديات (ص ٢٣٢).
(٩) المسائل البغداديات (ص ٢٣٢).