فإنه ذهب (١) إلى أن «الحيوان» غير مبدل الواو ، وأن الواو فيه أصل وإن لم يكن منه فعل ، وشبّه هذا بقولهم : «فاظ الميّت يفيظ فيظا وفوظا» (٢) ولا يستعملون من «فوظ» فعلا ، وكذلك «الحيوان» عنده مصدر لم يشتق منه فعل بمنزلة «فوظ» ألا ترى أنهم لا يقولون : «فاظ يفوظ» كما قالوا : «فاظ يفيظ». ويدلك على أنهم لم يستعملوا من «الحيوان» فعلا قول سيبويه (٣) : «ليس في الكلام مثل حيوت» أي : ليس في كلامهم «حيوت» ولا ما جرى مجراها مما عينه ياء ولامه واو.
وهذا الذي رآه أبو عثمان وخالف فيه الخليل وسيبويه غير مرضي عندنا منه ، قال لي أبو علي وقت قراءتي كتاب أبي عثمان عليه : هذا الذي أجازه أبو عثمان فاسد من قبل أنه لا يمتنع أن يكون في الكلام مصدر عينه واو وفاؤه ولامه صحيحتان مثل «فوظ» و «صوغ» و «قول» و «موت» وأشباه ذلك ، فأما أن يوجد في الكلام كلمة عينها ياء ولامها واو فلا ، فحمله «الحيوان» على «فوظ» خطأ ، لأنه شبّه ما لا يوجد في الكلام بما هو موجود مطرد.
وبهذا علمنا أن «حيوة» أصلها «حيّة» وأن اللام إنما قلبت واوا لضرب من التوسع وكراهة لتضعيف الياء ، ولأن الكلمة أيضا علم ، والأعلام قد يعرض فيها ما لا يوجد في غيرها نحو : «موهب» و «مورق» و «موظب» و «معدي كرب» و «تهلل» و «مزيد» و «مكوزة» وغير ذلك مما يطول تعداده.
وحكى اللحياني : «اشتر من الحيوان والحيوات ، ولا تشتر من الموتان» (٤) فالواو أيضا في «الحيوات» بدل من ياء ، وأصلها «حييات» لأنهما «فعلات» من «حييت» و «حييت» من مضاعف الياء بلا خلاف ، ويدل على أنه لا خلاف في «حييت» في أن لامه ياء بمنزلة «خشيت» و «عييت» وأنه ليس كـ «شقيت»
__________________
(١) المصنف (٢ / ٢٨٤ ، ٢٨٥) ، والبغداديات (ص ٢٣٤).
(٢) فاظ الميت : خرجت نفسه. لسان العرب (٧ / ٤٥٣).
(٣) الكتاب (٢ / ٣٨٩).
(٤) المعنى : اشتر من الرقيق والدواب ولا تشتر الأرضين والدور. والموتان : ضد الحياة ، والموتان من الأرض : الموات الذي ليس ملكا لأحد. والذي في اللسان (موت) (٢ / ٣٩٨) غير معزو «اشتر الموتان ولا تشتر الحيوان».