وذهب أصاحبنا إلى أن حذف الجواب في هذه الأشياء أبلغ في المعنى من إظهاره ، وأنه لذلك ما حذفت هذه الأجوبة ، قالوا : ألا ترى أنك إذا قلت لغلامك : والله لئن قمت إليك ، وسكتّ عن الجواب ، ذهب بفكره إلى أنواع المكروه من الضرب والقتل والكسر وغير ذلك ، فتمثلت في فكره أنواع العقوبات ، فتكاثرت عليه ، وعظمت الحال في نفسه ، ولم يدر أيّها يتّقي ، ولو قلت : والله لئن قمت إليك لأضربنّك ، فأتيت بالجواب لم يتّق شيئا غير الضرب ، ولا خطر بباله نوع من المكروه سواه ، فكان ذلك دون حذف الجواب في نفسه.
قال أبو علي : ومثل معناه قول كثيّر (١) :
فقلت لها : يا عزّ كل مصيبة |
|
إذا وطّنت يوما لها النفس ذلّت (٢) |
وكذلك الحال في الجميل من الفعل نحو قولك : والله لئن زرتني ، إذا حذفت الجواب تصوّرت له أنواع الجميل وضروبه من الإحسان إليه والإنعام عليه. ولو قلت : والله لئن زرتني لأعطينّك دينارا ، رمى بفكره نحو الدينار ، ولم يجل في خلده شيء من الجميل سواه ، ولعله أيضا أن يكون مستغنيا عنه غير راغب فيه ، فلا يدعوه ذلك إلى الزيارة ، وإذا حذفت الجواب تطلعت نفسه إلى علم ما توليه إياه ، فكان ذلك
__________________
(١) ديوانه (ص ٩٧) ، ولسان العرب (١٣ / ٤٥١ ـ ٤٥٢) مادة / وطن.
(٢) عز : اسم محبوبته. المصيبة : الداهية. وطنت : حملها عليه فتحملت وذلت له. اللسان (١٣ / ٤٥١). ذلت : هانت. الشرح : يخاطب الشاعر معشوقته ويقول لها إن أي مصيبة مهما عظمت ممكن أن تهون لو دربت النفس على الصبر عليها. والشاهد : في قوله «ذلت» فقد حدد الجواب وذكره.