فأما قول الشاعر (١) :
ليت شعري هل ثمّ هل آتينهم |
|
أم يحولن من دون ذاك الرّدى (٢) |
فتقديره : هل آتينهم ثم هل آتينهم ، وإنما جاز اقتطاع الجملة الأولى بعد «هل» الأولى لأنه قد عطف عليها «هل» الثانية وما ارتبطت به من الجملة المستفهم عنها ، فدلّ ذلك على ما أراده في أول كلامه ، وهذا واضح.
أو أن تكون «أن» التي معناها العبارة كالتي في قوله عز وجل : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) (ص : ٦) (٣) قالوا : معناه أي امشوا. وهذه أيضا لا يجوز الوقوف عليها ؛ لأنها تأتي ليعبّر بها وبما بعدها عن معنى الفعل الذي قبلها ، فالكلام شديد الحاجة إلى ما بعدها ليفسّر به ما قبلها ، فبحسب ذلك يمتنع الوقوف عليها.
ويدلك في الجملة على شدة اتصال الحروف بما ضمّت إليه أنك تجد بعضها قد صيغ في نفس الكلمة ووسطها ، وجرى مجرى ما هو جزء من أصل تصريفها ، وهو ألف التكسير ، وياء التحقير ، نحو «دارهم» و «دريهم» و «دنانير» و «دنينير» ، ولم نجد شيئا من الأسماء ولا الأفعال صيغ واسطا في أنفس المثل كما صيغت ألف التكسير وياء التحقير ، فهذا في الجملة يؤكد عندك ضعف الحروف وقوة حاجتها إلى ما تتصل به ، فلما كانت «عن» و «أن» بحيث ذكرنا من الضعف وفرط الضرورة إلى اتصالهما بما بعدهما لم يجز الوقوف عليهما ، ولمّا لم يجز ذلك لم تبدل الألف من نونهما ، وليست كذلك «إذن» لأنهما قد تقع آخرا ، فيوقف عليها في نحو قولك :
__________________
(١) البيت في شرح المفصل (٨ / ١٥١) ومغني اللبيب (ص ٤٥٨) والبيت للكميت بن زيد الأسدي من قصيدة مطلعها :
من لصب متيم مستهام |
|
غير ما صبوة ولا أحلام |
(٢) الردى : الهلاك. لسان العرب (١٤ / ٣١٦) مادة / ردي. ليت شعري : أسلوب تمني يستخدمه العرب بمعنى يا ليتني. والشاعر يتمنى أن يأتي أحبابه قبل أن يحول بينه وبين ذلك الهلاك. الشاهد فيه (هل ثم هل ...) فتقديره (هل آتينهم) حيث قطع بين الجملتين بحرف العطف. (٣) الشاهد فيه (أن امشوا) حيث جاءت (أن) بمعنى أي امشوا ، ورغم ذلك لا يجوز الوقوف عليها لأنها تأتي لتعبر عن الفعل قبلها.