قال أبو علي : ويدل على صحة ما قال سيبويه من أنه ليس في حرف الإعراب من التثنية تقدير حركة في المعنى كما أن ذلك ليس موجودا فيها في اللفظ ، صحة الياء في الجر والنصب في نحو : مررت برجلين ، وضربت رجلين ، ولو كان في الياء منها تقدير حركة لوجب أن تقلب ألفا كرحى ، وفتى ، ألا ترى أن الياء إذا انفتح ما قبلها وكانت في تقدير حركة وجب أن تقلب ألفا.
وهذا استدلال من أبي علي في نهاية الحسن ، وصحة المذهب ، وسداد الطريقة.
فإن قلت : فإذا كانت النون عند سيبويه عوضا مما منع الاسم من الحركة والتنوين ، فما بالهم قالوا في الجر والنصب ضربت الزيدين ، ومررت بالزيدين ، فقلبوا الألف ياء ، وذلك علم الجر والنصب ، ثم إنهم عوضوا من الحركة نونا ، وكيف يعوضون من الحركة نونا وهم قد جعلوا قلب الألف ياء قائما مقام علم الجر والنصب ، وهل يجوز أن يعوض من شيء شيء وقد أقيم مقام المعوّض منه ما يدل عليه ، ويغني عنه ، وهو القلب؟
فالجواب : أن أبا علي ذكر أنهم إنما جوّزوا ذلك لأن الانقلاب معنى لا لفظ إعراب ، فلما لم يوجد في الحقيقة في اللفظ إعراب جاز أن تعوّض منه النون ، وصار الانقلاب دليلا على التمكن واستحقاق الإعراب.
وهذا أيضا من لطيف ما حصلته عنه ، فافهمه.
فإن قلت : فإذا كانت الدلالة قد صحت على قول سيبويه أنه لا تقدير إعراب في حرف الإعراب من التثنية ، فما كانت الحاجة من العرب إلى ذلك ، وما السرّ ، وما السبب الذي أوجب ذلك فيها؟
فالجواب : أنهم لو اعتقدوا في حرف إعراب التثنية تقدير حركة كما يعتقدونه في حرف الإعراب من المقصور ، لوجب أن تقرّ الألف في الأحوال الثلاث على صورة واحدة كما يقرّ حرف الإعراب من المقصور على حال واحدة في رفعه ونصبه وجره ، ولو فعلوا ذلك فقالوا : قام الزيدان ، وضربت الزيدان ، ومررت بالزيدان ، لدخل الكلام من الإشكال والاستبهام ما قد تقدم قولنا فيه ، وأنه تنكّب لاستكراههم ما فيه من عدم البيان ، ولما كان الاسم المثنى معربا متمكنا ، وكرهوا أن يعتقدوا في حرف