كذلك قول سيبويه «إن النون عوض مما منع الاسم من الحركة والتنوين» لأن النون على كل حال لفظ ، وليست بمعنى.
وألزم أبو العباس أبا عمر هنا شيئا لا يلزمه عندي ، وذلك أنه قال : قد علمنا أن أول أحوال الاسم الرفع ، فأول ما وقعت التثنية وقعت والألف فيها ، فقد وجب أن لا يكون فيها في موضع الرفع إعراب (١). وذلك أن أبا عمر إذا كان يقول في الألف ما قاله سيبويه فله فيه ما له ، وعليه ما عليه.
وقد صح أن سيبويه يقول : إن النون عوض مما منع الاسم من الحركة والتنوين ، وكذلك أيضا قول أبي عمر في الرفع إن النون عوض من الحركة والتنوين ، وإذا كانت عوضا من الحركة فإن الاسم معرب ، والنون تقوم مقام حركة إعرابه ، فقد كان يجب على أبي العباس أن لا يدعي على أبي عمر أنه يعتقد أن الاسم في حال الرفع لا إعراب فيه.
فإن أراد أبو العباس أنه ليس في الألف إعراب ، وإنما النون عوض من الإعراب ، فهذا هو الذي قاله سيبويه أيضا ، وقد قامت الدلالة على صحته ، فينبغي أن يكون قول أبي عمر صحيحا إذ هو قول سيبويه الصحيح ، وإنما الذي يلزم أبا عمر في هذا ما قدمناه من أنه جعل اسما واحدا في حال الرفع معربا لفظا ، وجعل ذلك الاسم بعينه في حال الجر والنصب معربا معنى ، فخالف بين جهتي إعراب اسم واحد من حيث لا يجوز الخلاف.
فإن قلت : فإذا كان قلب الألف ياء في الجر والنصب هو الإعراب عند أبي عمر فما الذي ينبغي أن يعتقد في النون في حال الجر والنصب ، هل هي عنده عوض من الحركة والتنوين جميعا أو عوض من التنوين وحده ؛ إذ القلب قد ناب على مذهبه عن اعتقاد النون عوضا من الحركة؟
فالجواب : أن أبا علي سوّغه أن تكون النون عوضا من الحركة والتنوين جميعا ، وإن كان يقول إن الانقلاب هو الإعراب ، قال : وذلك أنه لم تظهر إلى اللفظ حركة ، وإنما هناك قلب ، فحسن العوض من الحركة وإن قام القلب مقامها في الإعراب.
__________________
(١) المقتضب (٢ / ١٥٢).