فإن سأل سائل فيما بعد ، فقال : ما بالهم ثنّوا بالألف ، وجمعوا بالواو ، وهلا عكسوا الأمر؟
فالجواب : أن التثنية أكثر من الجمع بالواو ؛ ألا ترى أن جميع ما تجوز فيه التثنية من الأسماء فتثنيته صحيحة لأن لفظ واحدها موجود فيها ، وإنما تزيد عليه حرف التثنية ، وليس كل ما يجوز جمعه يجمع بالواو ، ألا ترى أن عامة المؤنث وما لا يعقل لا يجمع بالواو ، وإنما يجمع بغير الواو ، إما بالألف والتاء ، وإما مكسّرا ، على أن ما يجمع بالواو قد يجوز تكسيره نحو : زيد وزيود ، وقيس وأقياس ، وغير ذلك ، فالتثنية إذن أصح من الجمع لأنها لا تخطئ لفظ الواحد أبدا ، فلما ساغت فيمن يعقل وما لا يعقل ، وفي المذكر والمؤنث ، وكان الجمع الصحيح إنما هو لضرب واحد من الأسماء ، كانت التثنية أوسع من الجمع الصحيح ، فجعلوا الألف الخفيفة في التثنية الكثيرة ، وجعلوا الواو الثقيلة في الجمع القليل ليقلّ في كلامهم ما يستثقلون ، ويكثر في كلامهم ما يستخفون ، فاعرف ذلك.
قال أبو علي : لما كان الجمع أقوى من التثنية لأنه يقع على أعداد مختلفة ، وكان لذلك أعم تصرفا من التثنية التي تقع لضرب واحد من العدد لا تتجاوزه ، وهو اثنان ، جعلوا الواو التي هي أقوى من الألف في الجمع الذي هو أقوى من التثنية.
وقد زيدت الألف علامة للتثنية والضمير في الفعل نحو : أخواك قاما ، وعلامة للتثنية مجردة من الضمير نحو قول الشاعر (١) :
ألفيتا عيناك عند القفا |
|
أولى فأولى لك ذا واقيه (٢) |
وقد ذكرنا هذه اللغة في حرف النون وحرف الواو. قد أخذت التثنية بحظ ، على أن فيها شيئا آخر سوى هذا.
واعلم أن الألف قد زيدت في أثناء الكلام على أنها ليست مصوغة في تلك الكلم ، وإنما زيدت لمعان حدثت وأغراض أريدت ، وهي في تقدير الانفكاك
__________________
(١) هو عمرو بن ملقط كما في النوادر (ص ٢٦٨) والعيني (٢ / ٤٥٨).
(٢) الشاهد فيه (ألفيتا) حيث زيدت الألف علامة التثنية والضمير في الفعل. إعرابه : فعل مضارع مبني للمجهول ، والتاء للتأنيث ، والألف : فاعل مبني في محل رفع