بينما ذهب بعض المتأخّرين إلى نظرية مضادّة نفت ذلك النوع من التأثّر ، ورأت أصالة الفِرق الإسلامية على اختلافها ، فقال الدكتور النشّار ملخّصاً وجهة نظره في هذه المسألة : إنّ فلسفة أيّة اُمّة من الاُمم هي انبعاث داخلي عقلي يعبّر عن الروح الحضارية لهذه الاُمّة ، وأنّه ليس من المعقول أن تتشابه الانبعاثات الداخلية العقلية لاُمّتين مختلفتين أشدّ الاختلاف جنسياً وعقلياً ولغوياً ، وإنّ فلسفة اُمّةٍ ما من الاُمم لا تخرج عن دائرة السنّة التي تضعها هذه الاُمّة ، ومن خرج عن هذه الفلسفة لُفظ حتماً من الدائرة العقلية ، ولم يَعُد يمثّل فلسفياً سوى فكره الذاتي (١).
وقال الدكتور محسن عبد الحميد : إنّنا لو راجعنا بدء تحرّك الأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى في صدر الإسلام ، لحصل عندنا يقين كامل أنّه هو الذي ولّد الحركة الفكريّة التي حدثت في ما بعد ، والتي أرادت أن تلتمس من القرآن الكريم اُسس انطلاقها في المجتمع (٢).
ـ فبينما ذهب أصحاب الرأي الأوّل إلى أنّ عقيدة الجبريّة ؛ التي دعا إليها الجهم بن صفوان ، ترجع إلى أصل يهودي ، وأنّ أول من تكلّم بها : طالوت بن أعصم اليهودي ، وقد بثّها إلى إبان بن سمعان ، وبثّها إبان إلى الجعد بن درهم ، وأخذها الجهم بن صفوان من الجعد بن درهم (٣).
_____________
(١) نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام / سامي علي النشار ١ : ٢١١ ـ الطبعة الثانية ، وعنه الدكتور أحمد محمود صبحي / نظرية الإمامة : ١٠ ـ دار المعارف بمصر.
(٢) تطوّر تفسير القرآن / الدكتور محسن عبد الحميد : ١٠٠ ـ جامعة بغداد ـ ١٤٠٨ هـ.
(٣)
مجموع فتاوى ابن تيمية / جمع وترتيب : عبد الرحمن بن قاسم النجدي