عاملون ! (١)
ـ ولقد أدرك ابن عبّاس أنّ مصدر هذا الانحراف الفكري هو السلطة وأنصارها ، فخاطبهم خطاباً عنيفاً ، قال فيه : أتأمرون الناسَ بالتقوى وبكم ضلّ المتّقون ؟! وتنهونَ الناس عن المعاصي وبكم ظهر العاصون ؟! يا أبناء سَلَف المنافقين ، وأعوان الظالمين ، وخزّان مساجد الفاسقين ! هل منكم إلّا مفترٍ على الله ، يجعل إجرامه عليه سبحانه وينسبه علانيةً إليه ؟! (٢)
ـ واقتحمت هذه العقيدة البصرة ، ورقت إلى مجلس الحسن البصري ، فزجر أصحابها وقال : « إنّ الله خلقَ الخلق للابتلاء ، لم يطيعوه بإكراه ولم يعصوه بغَلَبة ، وهو القادر على ما أقدرهم عليه ، والمالك لما ملكهم إيّاه ، فإن يأتمروا بطاعة الله لم يكن لهم مثبّطاً ، بل يزيدهم هدىً إلى هداهم وتقوىً إلى تقواهم ، وإن يأتمروا بمعصية الله كان الله قادراً على صرفهم ، إن شاء حال بينهم وبين المعصية ، فمن بعد إعذار وإنذار » (٣).
ورغم تلك المواجهات فقد ترقّى الأمر بهذا المذهب حتّى دان به كبار من أهل العلم ودافعوا عنه حتّى أصبح هو المذهب الغالب في ملّة الإسلام ، حتّى انتقل إلى الأشعري فعزّزه ونفخ فيه روحاً جديدة ، بعد تعديل لفظي أدخله بعنوان (الكسب) (٤) وهو مفهوم اعتباري ليس له أيّ قيمة حقيقية ، وإنّما
_____________
(١) المذاهب الإسلامية : ١٧٣ عن (المنية والأمل) للمرتضى.
(٢) المذاهب الإسلامية : ١٧٢.
(٣) العقد الفريد / ابن عبد ربه ٢ : ٨٣ ـ دار ومكتبة الهلال ـ بيروت ـ ١٩٨٦ م ، ونحوه في المذاهب الإسلامية : ١٧٢ ـ ١٧٣ عن المنية والأمل.
(٤)
اضطربوا في تعريف الكسب كثيراً ، والمحصل أنّ بين قدرة الله المؤثرة على العبد