فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ
لقد سلط الله عذابه عليهم ، فمحقهم محقا ، ووضع حدا لما هم عليه من التكذيب والجحود ، وهكذا ينكر الله على الناس تكذيبهم إنكارا عمليا. أرأيتم كيف يكون نكير الله؟
[٤٥] ان الله سبحانه قد جعل في التاريخ حتمية لا محيص عنها ، وهي حتمية الانتقام من أعداء الله ، إذ ان سنن الله في الطبيعة تلتقي مع الحق في كل النقاط ، وتجاوز الحق ، تعد على تلك السنن ، فلا بد لها ان تنتقم بإرادة الله سبحانه ، وبأي شكل كان ، سواء على شكل صاعقة تنزل ، أو في صورة بر كان يتفجر ، أو حرب تدمّر ، أو قحط شامل ، أو طاعون ينشر الموت. وعلى الإنسان ان لا يأمن مكر الله ، فينسى نقمته ، ويظن ان ما يحيط به من نعمه وفضله وآلائه ، هو كل ما في الحياة ، كلا بل ان للحياة وجها آخر ، يتمثل في الانتقام الشديد.
بلى. من الصعب على الإنسان ان يصدق بان ذلك الإله الرحيم الكريم ، الذي تولى خلقه طورا فطورا ، وكان معه في كل حركة من حركاته ، والذي تتجلى رحمته وفضله عليه في كل شيء ، انه تعالى يمكر به وينتقم منه أشد الانتقام ، لذلك نجده تستدرجه النعم ، وتغرّه الاماني ، حتى إذا أحاط به ذنبه قال : رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً . فلكي لا يصبح هكذا يجب عليه ان يذّكر نفسه بما مضى من الام ، وما جرى عليهم ، وان يسير في الأرض بحثا عن تلك الحضارات التي سادت ويتساءل لماذا بادت. ان السير في الأرض ، وزيارة المتاحف الاثرية ، واطلال المدن الكبرى ، ودراسة التاريخ ، لا سيما تاريخ الحضارات البائدة ، كل ذلك يوحي إلينا بتلك الحقيقة التي لا تستهوينا ، ولا نريد معرفتها ، وهي ان الله يمكر بالإنسان إذا ظلم وطغى. وينتقم منه بأشد العذاب.