وتؤكد آيات هذا الدرس على هذه الفكرة ، وتشير أيضا الى مصير أولئك الذين كذّبوا هذه الحقيقة الناصعة ، ولم ينفعهم النهي عن المنكر الذي قام به أنبياء الله (ع) ، ومن سار على دربهم.
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ
تبيد الحضارة في بعض الأحيان بصورة طبيعية كما يموت الإنسان بعد ان يشيخ وتضعف بنيته الجسدية ، فتنطفئ شمعة الحياة شيئا فشيئا ، وقد تباد الحضارات بصورة فجائية وبعذاب الهي فتكون كما يموت الشاب بموت الفجأة بالرغم من ان جميع أعضاءه تبدو سالمة ، كل ما في الأمر ان الروح تفارق جسده ، هكذا حال الحضارات ، فعند ما تنحرف عن اهدافها المرسومة لها ، فان الله يوجه إليها ضربة قاضية في صورة زلزال مدمّر أو صاعقة من السماء ، فتبيد حضارتهم البشرية ، بالرغم من ان المظاهر المادية لهذه الحضارات تظل سالمة لتبقى عبرة للاجيال.
ولعلنا نستوحي هذه الفكرة من قوله سبحانه وَهِيَ ظالِمَةٌ التي تدل على ان الهلاك نزل بهم حين ظلمهم.
لقد خلق الله سبحانه الطبيعة بحيث لا تتلائم مع الانحراف والجريمة ، فهي تصبر زمنا ثم تتفجر غضبا ـ حين يشاء الله ـ لتعيد الأمور الى نصابها.
«فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها» اي خالية من ساكنيها بالرغم من سلامة أبنيتها وعمرانها. «وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ» هي التي ما زال ينضح ماؤها ، ولكن امست بلا رواد. اما القصر المشيد فانه يرمز الى مباني الملوك والحكام الظلمة ، حيث ذهبوا ولم تغن عنهم قصورهم من الله شيئا.