لقد هلك القوم وتداعت البيوت فيها فهي خالية ، وعروشها قد تهاوت ، اما البئر التي هي محور الحضارة في الصحراء ويعتبر مالكها سيد الناس ، فقد تعطلت بعد ان كانت مركز التجاذب وسبب الصراع ، بينما بقيت القصور المشيدة التي تعالت وتجصصت خالية ترمز الى فناء أهلها.
وفي الأحاديث ان العالم الصامت ، هو البئر المعطلة ، بينما العالم الناطق هو القصر المشيد (١) ، ولعل المناسبة بين هذا التأويل وذلك التفسير ليست مجرد التشبيه ، بل وأيضا : لان هلاك الظالمين انما هو بتعطيل العلم ، وذلك بعدم الاستفادة من العالم الصامت (البئر المعطلة) ولا من العالم الناطق (القصر المشيد).
ترى كيف يصور القرآن هذه الحقائق تصويرا بديعا بحيث لو أخذت ريشة وصورتها لخرجت مكتملة الملامح معبرة عن الفكرة ، أبلغ تعبير خذ الآن ريشة وحاول ان ترسم قرية خالية بأبنيتها وشوارعها ، ثم ارسم بئرا قد تدلى عليها دلوها وعليها بكرتها ولا أحد عندها ، ثم صور قصرا فخما مهجورا ، ثم انظر ماذا ترى ، انك ترى لوحة تنطق بالموت الرهيب وتعطي للذين غرّهم تقلبهم في الحياة ، العبرة الزاجرة.
حين يعمى القلب :
[٤٦] أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ
اي لماذا لا يسيرون في الأرض ، ليعتبروا بآثار السابقين انهم يسيرون فيها ولكن لا يعتبرون.
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٣ ـ ص ٥٠٦ / ٥٠٧.