ثالثا : تزويج سعيد بن المسيب (١) : إنه شخصية إسلامية مشهورة ، فقد خطب إليه عبد الملك بن مروان ابنته إلى ولي عهده « الوليد بن عبد الملك » ، وكانت من أحسن النساء جمالا وكمالا وأعلمهن بكتاب الله وسنة رسوله ، ولكن سعيد بن المسيب لم يتردد في الاعتذار عن ذلك ، وأصر عليه رغم ما أوقعه به عبد الملك من إيذاء ، حتى ضربه مائة سوط لما عرف به الوليد من مجون واستهتار. وعاد سعيد بن المسيب إلى المدينة المنورة فزاره عبدالله بن أبي وداعة أحد تلامذته فسأله عن حاله ، وعلم منه وفاة زوجته فقال له : « هلا استحدثت امرأة ؟ » فقال : يرحمك الله تعالى ، ومن يزوجني وما أملك سوى درهمين أو ثلاثة ؟! فقال له سعيد : أنا أزوجك ..! قال : وتفعل ؟! قال : نعم. فزوجه ابنته على درهمين أو ثلاثة. وهكذا آثر سعيد بن المسيب الفقير التقى الذي توفرت له الكفاءة في الدين على الأمير الغني الذي يفتقر إليها. ولم يكتف بذلك بل بلغ به الاطمئنان والثقة في دين ذلك الفقير.
يقول عبدالله بن أبي وداعة : « فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح .. فصرت إلى منزلي وجعلت أفكر ممن آخذ وممن أستدين ؟ فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلي ، فأسرجت وكنت صائما فقدمت طعامي لأفطر وكان خبزأ وزيتا ، وإذا بابي يقرع فقلت : من هذا ؟ قال : سعيد. ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب ، وذلك أنه لم يُر أربعين سنة إلا بين داره والمسجد. فخرجت إليه فإذا به سعيد بن المسيب فظننت أنه قد بدا له. فقلت : يا ابا محمد .. لو أرسلت إليّ لأتيتك. فقال : لا .. أنت أحقّ أن تؤتى. قلت : فما تأمر ؟ قال إنك كنت رجلا عزباً فتزوّجت ، فكرهت أن
__________________
(١) عن كتاب إحياء العلوم للغزالي ( كسر الشهوتين ).