كان يتنازل عن حقوقه الشخصية شريطة ألّا تتعارض من الناحية الشرعية مع حقوق الآخرين ، مع ما في ذلك من الحرمان والمشقة ليعيش الآخرون في راحة ، فهو بأبي ونفسي كما وصف أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : «نفسه منه في عناء ، والناس منه في راحة ، أتعب نفسه لآخرته ، وأراح الناس من نفسه» (١) ، وذلك مما يليق بمقام النبوة.
الثانية : إنّ بعض زوجات النبيّ ـ وبالذات المعنيتين بمطلع سورة التحريم ـ كنّ يمارسن ضغوطا عليه لأغراض لا مبرّر لها ، بل تتعارض الاستجابة لها عمليا مع أحكام الدين فتصيّر الحلال حراما.
الثالثة : وهكذا كان الرسول وحده الأسوة للمؤمنين ، أمّا من حوله فليسوا موضع تأسي إلّا بمقدار تجسيدهم للحق في حياتهم واقتدائهم بشخص الرسول ، وهكذا بالنسبة إلى كل رسول وكل قائد رسالي إنّه وحده المقياس أما من حوله فقد يكونون أبعد الناس عن مثاله ومنهجه ، أليس ابن نوح كان من الهالكين؟ أو ليست زوجة نوح وزوجة لوط دخلتا النار مع الداخلين؟ وهكذا ينبغي أن ندرس التاريخ في ضوء هذه الآية من جديد.
أمّا كيف تدخّل الوحي في حادث التحريم وعالجه؟ فهذا ما يجيب عنه السياق حيث يؤكّد على أنّ تحريم النبي لما قد حرّمه على نفسه (مقاربة مارية ، أو لعق العسل ، أو مقاربة كل نسائه) مما هو حلال في الأصل لم يكن تشريعا إلهيّا تنزل به الوحي ليكون حكما جاريا إنّما هو مبادرة شخصية في حدود الحقوق الشرعية اختارها النبيّ لنفسه ، لحكمة بالغة تمثّلت في ابتغاء مرضاة الأزواج ، ولهذا جاء الخطاب بقوله تعالى :
__________________
(١) نهج خ ١٩٣ ص ٣٠٦