وتلاشت السموات والأرض وما بينهما ، كما يتصل في مقام الخليقة بأنّها في حالة نموّ وتكامل مستمر ، لأنّ خالقها يعطيها بركة تلو أخرى ، ممّا يدلّ على أنّ مسيرة الخلق تصاعدية. وما التوسعة التي يضيفها الخالق للسموات حينا بعد آخر والتي أشار إليها بقوله : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (١) إلّا مظهر لبركات الله ، وفي القرآن إشارات إلى هذا المعنى إليك بعضها : قال تعالى وهو يتحدث عن الرسالة ، (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (٢) ذلك لأنّ الفرقان نعمة تتواصل وخير يستمر وعطاء لا ينقطع من الدنيا وإلى الآخرة. إذا فهو تجعلّ لاسم ربّنا «تبارك» ، وقال في معرض حديثه عن إنشاء الإنسان من طور إلى آخر حتى سوّاه كاملا بنعمة العقل : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٣) ، وقال في سياق بيانه لنعمه التي في السماء وبركاته : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) (٤).
وهكذا يكون اسم «تبارك» الركن الأخير من أربعة أركان جعلها الله لاسمه الأعظم ، وهو يشير إلى صفات فعله ، الفعّال لما يريد ، الجواد ، الكريم ، المنّان ، المتفضّل ، الوهّاب ، الخالق ، البارئ ، المصوّر ، وهو صانع كلّ مصنوع ، وخالق كلّ مخلوق ، ورازق كلّ مرزوق ، ومالك كلّ مملوك ، وراحم كلّ مرحوم ، و.. و..
أمّا الأركان الثلاثة فإنّ واحدا منها مخزون عند ربّ العزة ، بينما الثاني هو : (الله) الذي يشير إلى صفات الذات ، والثالث هو : (تعالى أو سبحان) الذي يشير إلى صفات الجلال.
__________________
(١) الذاريات / ٤٧.
(٢) الفرقان / ١.
(٣) المؤمنون / ١٤.
(٤) الفرقان / ٦١ (ولقد مرّ في مطلع سورة الفرقان تفصيل في بيان هذا المعنى من تبارك فراجع).