الوقت بالهدف الذي خلق هو كما خلقا من أجله ، ألا وهو الابتلاء لاستخراج معدن كلّ فرد واستظهار خبايا شخصيته ، ومع أنّ الموت من مفردات الابتلاء الا أنّ الابتلاء أكثر وأعظم تجلّيا بالحياة .. بل لا يكون إلّا أثناء الحياة ، ولذلك تأخّر ذكر الحياة على الموت لتكون هذه الكلمة لصيقة بكلمة الابتلاء.
(لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)
إذن يجب على الإنسان وهو يعيش فرصة الحياة أن لا يضل عن هذا الهدف الكبير ، بل يقاوم كلّ عوامل الانحراف والغفلة عنه ، ويسخّر كلّ قدراته المعنوية والمادية للفلاح والفوز فيه ، بأن يجعل عمره مزرعة لأحسن العمل.
فما هو أحسن العمل؟ إنّه ما أخلص فيه الإنسان النية ، وأتقن الأداء ، وتحدّى به هوى نفسه وأهواء القوى الشيطانية في مجتمعة ، وكان العمل نفسه من أشرف الطاعات وأعظمها ثوابا عند الله ، هكذا روي عن النبي (ص) أنّه قال في تفسير الآية : «أيّكم أحسن عقلا ، وأورع عن محارم الله ، وأسرع في طاعة الله» (١) ، وقال : «أتمّكم عقلا ، وأشدّكم لله خوفا ، وأحسنكم فيما أمر الله ونهى عنه نظرا» (٢) ، وقال الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ : «ليس يعني أكثركم عملا ، ولكن أصوبكم عملا ، وإنّما الإصابة خشية الله ، والنيّة الصادقة» (٣).
وقوله : «ليبلوكم» لا يعني أنّه تعالى لا يعلم بخلقه ، بل ليتحقّق ذلك العلم في عالم التكوين ويطّلع الناس أنفسهم على معادنهم ، ويعقلون جزاء الله أنّه بعدل لا بظلم ، قال الإمام علي بن موسى الرضا ـ عليه السلام ـ : «خلق خلقه ليبلوهم
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٣٨٠.
(٢) المصدر
(٣) تفسير البرهان عند الآية.