بتكليف طاعته وعبادته لا على سبيل الامتحان والتجربة لأنّه لم يزل عليما بكلّ شيء» (١)
ولعلّ أظهر تأويل لهذه الآية هم الأنبياء والرسل وأئمة الهدى من أهل بيت الرسول ، حيث أنّهم جميعا كانوا الأحسن عملا بين خلق الله ، فهم ـ على هذا ـ أبرز الحكم الإلهية للخلق. أليس قد أظهرت البلايا أنّهم القمم المضيئة ، والذري المتسامية؟ وانّ الله ما اختارهم ولا اصطفاهم إلّا بعلم وحكمة ، وما جعلهم سادات البشر وأمراء الصالحين من عباده إلّا لأنّهم السابقون في طاعة الله.
وقد قدّر بعضهم في الآية كلمة فقالوا : الأصل هو : ليبلوكم فينظر أيكم ، ولا أرى لهذا الافتراض وأشباهه مبرّرا في كتاب الله ، فالآية أعمق بلاغة بوضعها ممّا لو أضفنا إليها شيئا ، لأنّنا نفهم منها أنّه تعالى يصنع الصالحين في رحم الابتلاء ، بل إنّ خلق الإنسان يكون ناقصا لو لم يأت إلى الدنيا ويبتلى فيها. وهكذا تكون الآية مظهر من مظاهر اسم «تبارك» حيث تظهر بركة الله بأجلى صورها وشواهدها في الصفوة من عبادة المؤمنين الصالحين ، الذي يتجاوزون في سبيله كلّ الجاذبيات السلبية والعقبات الكأداء ، ويسمون بأنفسهم إلى آفاق الفضيلة ببركة الإيمان به عزّ وجل وبنعمة العقل التي وهبها لهم ، ولذلك جاء في الأخبار عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في قوله (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) قال : «أحسن عقلا» (٢).
ولأنّ الإنسان يفلح تارة ويخطئ أخرى وهو يواجه الابتلاءات ، أو يتعنّت أحيانا على الحق ، جاءت خاتمة الآية لتسوقه نحو أهدافه في مسيرة العمل بمعادلة متوازنة كفّتها الأولى الخوف وكفّتها الأخرى رجاء رحمة الله وغفرانه ، وذلك من
__________________
(١) المصدر.
(٢) المصدر.