النظام الحاكم في الكون ومدى قدرة خالقه وعظمته ، فإنّك مهما بحثت وأجهدت نفسك فلن تجد ثغرة ولا عيبا في خلق الله.
(ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ)
أي ثغرات وتناقضات ، فإنّ التفاوت بمعنى الاختلاف ، والاختلاف يعني التناقض ، قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (١) وقد ذكر اسم «الرحمن» هنا عند الحديث عن نظام الخليقة لأنّ ذلك من أعظم تجلّيات رحمته عزّ وجلّ. أترى لو كان النظام الكوني متناقضا هل كانت الحياة ممكنة أو ميسّرة؟! كلّا .. وإنّنا مهما تفكرنا في الخلائق فإنّنا نجدها محكومة بنظام التكامل المتقن ، فالشمس تختلف عن القمر ولكنّ أحدهما يكمل مسيرة الآخرة ، بل يقوم بدور محدّد بحيث لا تنتظم مسيرته إلّا به ، بلى. قد نزعم أنّهما متناقضان لأنّ أحدهما (الشمس) نار مشتعلة والآخر (القمر) نور هادئ ولكنّ أحدهما وجه للثاني.
واللطيف في التعبير القرآني عند هذه الآية أنّه حدّثنا في المطلع عن السماوات السبع ، ولكنّه عند ما نفى وجود التناقض نفاه عن كلّ خلق الله ، وذلك أنّ الإنسان قد يسلّم بأنّ خلقا من خلقه تعالى كالسماوات محكم ومتقن ، ولكنّه يشك في وجود هذه الحقيقة عند ما يتفكّر في خلق آخر ، فإذا به يتساءل : ولماذا خلق الله الذباب والميكروبات المهلكة؟ لماذا الزلازل التي يذهب ضحيتها الألوف من البشر؟
ولكنّ عليه أوّلا : أن يقيس ما يعرفه من خلق البشر بما لا يعرفه ، وثانيا : أن يعالج شكّه باليقين ، فلا يسترسل مع وساوس الشيطان ، بل يظل باحثا عن الحقيقة حتى يكتشفها. لذلك يأتي الخطاب الإلهي الكريم يدعو كلّ فرد فرد من أبناء
__________________
(١) النساء / ٨٢.