البشر للنظر والتفكر في خلق الله ، ودراسة الظواهر المختلفة ، لأنّنا كلنا مسئولون عن معرفة الحقيقة والوصول إلى درجة اليقين من الإيمان بالله ، ويقول :
(فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ)
وإلى جانب البصر ينبغي أن يعمل الإنسان بصيرته أيضا ، فإنّ العين نافذة القلب على الحياة. ولعلّ الفرق بين كلمتي «تفاوت وفطور» أنّ التفاوت يكون بين خلق وخلق آخر ، وهو منفي لأنّ كلّ خلائق الله يكمل بعضها بعضا فهي منسجمة مع بعضها ، أمّا الفطور فيكون في ذات الخلق الواحد بين أجزائه ، وليس في خلق من خلقه تعالى ثغرة.
وإنّه لعجيب قول ذلك الدكتور الألماني بخنر : «بما أنّنا لم نجد ظاهرة واحدة في هذا الكون الرحيب من أبعد نقطة اكتشفناها في الفضاء وإلى أقرب جرم إلينا ، لم نجدها شاذّة عن النظام الكوني ، فليس لنا الحاجة إلى افتراض وجود الله» (١). سبحان الله كيف عمي قلبه ولم يعرف أنّ وجود النظام دليل على من نظّمه وهيمن على إجرائه؟!
نعم لو ثمّة تناقض أو تنافر في نظام الكون لأمكن افتراض أنّ الصدفة هي التي أوجدته ، أو أنّ هناك آلهة متعددة شركاء في الربوبية يتناقض الكون بتناقض آرائهم وتدبيرهم ، ولكنّنا لا نرى شيئا من ذلك ، فما هي إلّا حقيقة التوحيد الخالص إذن. وليست مشكلة الدكتور بخنر إلّا واحدا من أمرين : فامّا أن يكون جاحدا معاندا لم يرد التسليم للحق ، وامّا أنّ يكون قد أخطأ في منهج البحث والدراسة لظواهر الكون ، بحيث أنّه جعل المزايا العلمية المجردة هدفا من بحثه فلمّا وجدها توقّف عندها ، وهذا خلاف المنهج السليم الذي يأمر به العقل والدين
__________________
(١) الفكر الإسلامي مواجهة حضارية ـ للمؤلّف / ص ١٨٨.