المنجد : الخاسئ من الخنازير والكلاب المبعد المطرود ، لا يترك أن يدنو من الناس (١) وكانّ الإنسان حينما يجول ببصره يبحث عن عيب في خلق الله يطرد بلسان حال الخلائق ، وكأنّها تقول له : إخسأ إنّنا خلق الرحمن الحكيم العليم فلن تجد فينا نقصا ، حيث يقال خسأ وخسوء البصر : كلّ وأعيا (٢) ، وهذا المعنى قريب أيضا لأنّ الباحث سوف يتعب ويشقى دون العثور على عيب ، وكيف يعثر على شيء ليس بموجود؟! ويؤيّد هذا القول قوله تعالى : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ) فهو يتعب ويكلّ من النظر إلى الخلائق فلا يعود إلى ذلك مرّة أخرى .. بل يرجع صاحبه منهكا دون نتيجة.
أمّا الحسير فقيل : المحقّر ، وقيل : من اشتدت حسرته وندامته على أمر فاته (٣) ، وهما محتملان الصحّة .. وهناك معنى قريب جدا من الآية هو العاري من الحسّر : الرجّالة في الحرب يحسرون عن وجوههم ورؤوسهم ، أو يكونون لا درع عليهم ، ويقال : أرض عارية المحاسر أي لا نبات فيها (٤) وإنّ الإنسان ليعود ببصره وبصيرته من رحلة البحث عن التفاوت أو الفطور في خلق الله وهما مجرّدان عاريان من أيّ دلالة ونتيجة تثبت ذلك.
قال أمير المؤمنين (ع): «فمن فرّغ قلبه ، وأعمل فكره ، ليعلم كيف أقمت عرشك ، وكيف ذرأت خلقك ، وكيف علّقت في الهواء سماواتك ، وكيف مددت على مور الماء أرضك ، رجع طرفه حسيرا ، وعقله مبهورا ، وسمعه والها ، وفكره حائرا». (٥)
__________________
(١) المنجد مادة خسا.
(٢) المصدر.
(٣) المصدر ـ مادة حسر.
(٤) المصدر.
(٥) نهج البلاغة خ ١٦٠ ص ٢٢٥.