فالإنسان إذن يحدّد موقفه ومصيره في الدنيا ، فهو الذي يختار الحق أو الباطل ، وينتمي إلى حزب الله أو حزب الشيطان ، وبالتالي يسلك طريق الجنة أو النار ، وهذه الحقيقة تكون في أجلى صورها يوم القيامة إذ يلاقي كلّ واحد مصيره الذي هو نتيجة مباشرة لاختياره وعمله في الدنيا ، وكفى بهذا البيان الإلهي داعيا للناس إلى التفكر في مستقبلهم الأبدي.
وفي هذه الآية إشارة لطيفة تتصل بمعارف الإنسان ، فهو إمّا يكون تابعا لعاقل فيسمع منه ، وإمّا أن يكون بنفسه قادرا على الاهتداء إلى الحق والاجتهاد في المعرفة فيعقل ، وإمّا أن يكون ضالا كهؤلاء الكفّار الذين ما كانوا يسمعون ولا يعقلون ، بعلمهم بهذه الحقيقة في الدنيا وباعترافهم بها في الآخرة. وإشارة أخرى تهدينا إلى أنّهم كانوا شيئيين يقيّمون الأمور بالمظاهر المادية ، فكأنّهم يعيشون في الدنيا بأبصارهم فقط وبطونهم و.. أمّا الأسماع والعقول فإنّها معطّلة ، والحال أنّ قيمة الإنسان بعقله .. ولو أنّهم كانوا يستفيدون من عقولهم لما ضلّوا ، لأنّ العقل يوافق الحق (١٠٠ خ) قال الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ : «من كان عاقلا كان له دين ، ومن كان له دين دخل الجنة» (١) وقال ـ عليه السلام ـ : «العقل ما عبد به الرحمن ، واكتسب به الجنان» (٢) وقال الإمام علي ـ عليه السلام ـ : «هبط جبرئيل على آدم ـ عليه السلام ـ فقال : يا آدم إنّي أمرت أن أخيرك واحدة من ثلاث فاخترها ودع اثنتين ، فقال له آدم : يا جبرئيل وما الثلاث؟ فقال : العقل والحياء والدين ، فقال آدم ـ عليه السلام ـ : إني قد اخترت العقل ، فقال جبرئيل للحياء وللدين : انصرفا ودعاه ، فقالا : يا جبرئيل إنّا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان ، قال : فشأنكما ، وعرج» (٣) وقال رسول الله
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ٣٨٢.
(٢) المصدر.
(٣) المصدر.