تكون معارف البشر ذات قيمة حقيقية ، ألا وهو تعريفه بربه ، فإنّه لو تفكّر مليّا لعرف أنّ توفير الأرض لحياة البشر آية من آياته عزّ وجل. بلى. ربما يفكّر البعض في ذلك ولكنّك تجدهم يضلون بإجابات لا رصيد لها من الصحة فإذا بهم يشركون بالله ، فأمّا القدماء فكانوا يتصوّرون أنّ الأصنام أو الشياطين هي التي صنعت ذلك ، وأمّا المعاصرون فقالوا أنّها الصدفة!! ولكنّ القرآن يذكّر الإنسان بالحقيقة التي أركزت في فطرته ، ويجد أصداءها حينما يستنير عقله ، فينقذه من ضلالات الجهل والشرك ، إذ يقول :
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً)
أي مذلّلة ميسّرة لكم كالحصان المستراض أو البقرة المستألفة ، حيث جعل نظامها وما فيها لصالح الإنسان طعما وشرابا وهواء وزينة وما أشبه ممّا يحتاجه وينفعه كالليل والنهار والشمس والقمر .. إلخ.
وتذليل الله للأرض انعكاس لاسم «تبارك» حيث أنّ ذلك من بركته ورحمته.
(فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)
وقوله تعالى : «فامشوا» ليس مجرد أمر تشريعي يوجب السعي ، بل هو أمر تكويني ، إذ لو لم يقدّر الله المشي لما كان أحد يستطيع المشي حتى في مناكب الأرض. والمنكب مفرد مناكب وهو مجتمع رأس الكتف والعضد ، وناحية كلّ شيء وجانبه ، يقال : سرنا في منكب من الأرض أو الجبل أي في ناحيته ، والمنكب من الأرض الطريق (١) وكأنّ القرآن حينما أمر بالمشي في مناكب الأرض شبّهها
__________________
(١) المنجد / مادة نكب.