ترابط أجزاء الآية الكريمة ببعضها نكتشف حقيقة هامة وهي أنّ على الإنسان أن يضع هدفه ويفكر في مستقبله الأبدي وهو يمارس الحياة بكلّ صورها ، أكلا وشربا وسعيا في طلب الرزق. ومن ضرورة الأكل والشرب الحياتية يجب عليه أن يتحسس حاجاته وهو يمضي إلى مصيره ، ومن ارتكاز الحصول على الرزق على السعي (أو بتعبير الآية المشي) يجب أن يعرف بأنّ وصوله إلى غاياته في الآخرة هو الآخر يرتكز على السعي ، وإنّ خير الزاد في ذلك السفر الطويل لهو التقوى.
الأكل والرزق في الآية أعمّ من ظاهرها ، فالأكل صورة من صور الاستهلاك ، والرزق هو عموم ما يحتاج الإنسان إليه ، والآية بمجملها توحي بأنّ الأرض خلقت مذلّلة في بعض الجوانب ولكن الله يريد للإنسان أن يذلّلها كلّها بسعيه ، وبالرغم من أنّه لا يقدر على تذليل كلّ شيء فيها لتصبح الأرض جنّة الفردوس لأنّه يتنافى مع حكمة خلق الإنسان فيها ألا وهي الابتلاء ، فإنّه قادر على تطوير حياته إلى الأفضل أبدا.
[١٦ ـ ١٧] وكما ينبغي للإنسان أن ينتفع من تذليل الأرض له ويتحسس اسم «تبارك» من هذه الرحمة الإلهية عليه ، كذلك يجب عليه أن يستشعر قدرة الله على كلّ شيء ، وأنّه لو شاء لسلب تلك البركة منه فإذا بتلك الأرض المذلّلة تصبح كالفرس الجامح تمور مورا ، أو يحدث تغييرا في النظام الكوني فإذا بالسماء التي تحميها تستحيل منطلقا لعذاب مصوب لاطاقة للأرض وسكانها به. وتذكّر هذه الحقيقة مهم لأمرين :
الأول : أنّها إلى جانب تنعّم الإنسان ببركات الله ورحماته التي في الطبيعة تعطيه توازنا نفسيا وعقليا وعمليا يسوقه نحو المسيرة الصحيحة في الحياة ، فلا تبطر به النعم وتضلله عن أهدافه. فإنّه متى وصل الإنسان إلى اليقين بقدرة الله عليه سلّم له