الناس من هو بارع في صناعة السؤال والذي لا يهدف من ورائه إلّا الجدل الفارغ ، إنّما مسئولية المؤمن الرسالي إبلاغ رسالة الله إلى الناس بأمانة ووضوح.
(وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ)
وتهدينا خاتمة الآية إلى حقيقتين في منهجية الدعوة السليمة إلى الله :
الأولى : أنّ على الفرد الرسالي التحرك وفق ما ترسمه له رسالته وتوحي به أهدافه في الحياة ، دون أن يلتفت كثيرا إلى ما يثيره الآخرون أعداء ومنافسين وجاهلين من إشكالات وأسئلة وملاحظات تافهة ، لأنّه لو التفت إلى ذلك فلن يصل إلى أهدافه.
الثانية : أنّ التواضع للحق مسألة مهمة في الدعوة ، فإذا سئل عمّا لا يعلم يجب أن يقول لا أعلم .. وإلّا أصيبت مقاتله كما يقول الإمام علي عليه السلام ، فليس العيب أن يعترف الإنسان بالجهل إنما العيب الكبير أن يقول ما لا يعلم. فهذا سيد البشر على عظمته يجيب وقد سئل عن الساعة التي لا يعلم ميعادها : (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) وإنّما للحصر ، فليس من أحد يعلم بميقات وعد الله غيره ، ولا يكتفي القرآن بهذه الإجابة بل يضع الكافرين أمام آثاره المريعة عند ما يحين أجله فتساء وجوههم ، ويعلمون إلى حدّ اليقين حقّا بالآخرة وصدق الرسول ، ويشهدون وقوعه الرهيب ، يوم لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل.
(فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً)
أي وقد اقترب منه الموت ، أو عند ما تظهر للناس علامات الساعة وآياتها كزلزلة الأرض ، هنالك يكتشفون فظاعة خطئهم ، فيتحسرون ويندمون على ما فرّطوا في جنب الله في أنفسهم ، ولكنّ الأمر لا ينتهي عند هذا والحد إنّما تعلوهم آثار الهوان والعذاب حتى تظهر على وجوههم التي طالما صدّوا بها عن الحق.