والجواب : هنا أسباب تكشف عن جانب من الحكمة الإلهية ، تبرّر عدم الإجابة على سؤالهم تبريرا موضوعيا واقعيا ، هي :
أوّلا : لأنّ من عظمة الساعة (ساعة الموت والقيامة) وأثرها في الإنسان يكمن في أنّها مستورة ، ممّا يدعوه لاجتناب الباطل واتباع الحق في كلّ لحظة من حياته خشية أن تحلّ به الساعة فيها فيلقى ربه على معصية. وإلّا لكان الناس يسترسلون في الباطل ويزعمون أنّهم سوف يتوبون قبل موتهم بساعة!
وقد أشار الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ إلى ذلك بقوله : «ثم (لو) عرف ذلك وثق بالبقاء وانهمك في اللذات والمعاصي ، وعمل على أنّه يبلغ من ذلك شهوته ثم يتوب في آخر عمره ، وهذا مذهب لا يرضاه الله من عباده ولا يقبله» (١)
ثانيا : أنّ الكافر الذي أركس في الغرور والعتو والنفور عن الحق لا يغيّر فيه إخبار أحد له بموعد الساعة ، بل لا يصدق أحدا لو أخبره ولو كان مصيبا ، لأنّ مشكلته أنّه لا يؤمن بالأساس وهو الساعة. فهب أنّ الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال له أنّك تموت بعد خمسين يوما ، أو أنّ الساعة تقع بعد ألف عام ، فهل يصبح من المتقين؟ كلا .. إذ أنّ سؤاله ليس بهدف معرفة الحق والتسليم له عند ظهوره ، إنّما لمجرد الجدال والمعاندة.
ثالثا : انّ الرسول وكل داعية إلى الحق ليس مسئولا أن يجاري الناس وبالذات الملحدين منهم في كل شيء ، ويجيب على كل سؤال ، فإنّ الأسئلة لا تنتهي ، ولو أنّه ينصب نفسه للرد والمجادلة فسوف يضيع الكثير من وقته وجهوده في أمور لا طائل منها ولا فائدة دون أن يصل إلى ما يريد ، وبالخصوص أنّ من بين
__________________
(١) موسوعة بحار الأنوار / ج ٦ ص ٣٨.