التأثير على الرسول ليداهنهم في بعض قيم الرسالة بما يحفظ مصالحهم ويحوّلها إلى طائفة من الطقوس الخفيفة الفارغة عن قيم الحق والتقوى والعدل والاجتهاد ، فقالوا له ما قاله الطغاة لكلّ مصلح وداعية حق عبر التاريخ. قالوا : إنّك لمجنون. لماذا؟ لأنّ القيم التي تؤمن بها وتسعى لنشرها تتنافى وقيم النخبة المستكبرة التي تتحكم بمصائر الناس ، ثم جندوا لنشر هذه الدعايات إمكانياتهم المادية والمعنوية ، وهكذا استهدفوا هزيمة المصلحين نفسيّا لعلهم يتنازلون عن بعض قيمهم.
وأمام الهجمة التي يشنّها أولئك المضللون ضد الرسول والرسالة يقف الوحي مسددا للرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولكل الرساليين عبر التاريخ ومدافعا عن قيم الحق حيث يؤكد القرآن أنّ ما يزعمونه ما هو إلّا كذب وافتراء ، وذلك بالتذكرة بالبصائر التالية :
أولا : إنّ الرسالة التي يحملها الرسول ويدعو إليها نعمة إلهية لا يدانيها جنون ، لأنّها حيث يدرسها الإنسان ويتدبر معانيها يجدها قمّة العقل ، بل هي متقدمة بخطوات كثيرة على مسيرة العقل البشري لأنّها من عند ربّ العقول.
(ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ)
لأنّ المجنون هو الذي سلب الله عقله ، بينما قد أنعم الله على رسوله بالوحي الذي يكمل العقل ، وكيف يكون من يحمل للبشرية نور الحكمة والعلم والبصيرة مجنونا؟!
إنّ الرسالة التي تنظّم حياة الإنسان الشخصية والاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية و.. و.. ، وتنطوي على أسرار الوجود ، وتكشف للبشرية السنن الإلهية ، والأقدار التي تسيّر الخليقة ، وما أمر الخالق به من خير وما نهى عنه من ضر وسوء