(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
وكفى بعظمة أخلاقه أن يصفه ربّ العالمين بالعظمة ، وكيف لا يكون كذلك وقد أدّبه الله حتى قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : «لقد أدّبني الله فأحسن تأديبي» وقال الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ : إنّ الله عزّ وجلّ أدّب نبيه فأحسن أدبه ، فلمّا أكمل له الأدب قال : «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (١).
ومن تأكيد الله أنّ الرسول «على» خلق عظيم يتبين أنّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ ما كان يتكلّف الأخلاق ، ولا كانت عرضية تأتي وتزول ، بل هي سجايا وملكات اختلطت بكيانه فلا تفارقه ولا يفارقها ، وذلك من أفضل ما يصير إليه بشر في الأخلاق. وإنّما بلغ النبي تلك العظمة والمكانة الرفيعة لأنّه جسّد الدين في حياته ، قال الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ في قول الله : «الآية» : «هو الإسلام» (٢) ، وقال : «على دين عظيم» (٣) ، إذن فالطريق إلى العظمة موجود في القرآن ، ومن أرادها فإنّها ثمرة تطبيقه.
وحيث ندرس حياة حبيب الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فإنّنا نهتدي إلى أنّ من أعظم أخلاقه وما يمكن لإنسان أن يبلغه هو سعة الصدر ، التي كانت آلته للرئاسة بعد الإسلام ، ووسيلته التي استوعب بها الناس في الدين ، وملك قلوبهم .. وفيهم العدو الحاقد ، والجلف الصلف ، والكافر الجاهل ، والمشرك الضال و.. و.. ، وإنّها لأهمّ ما يحتاجه المصلحون من الأخلاق ، ولذلك مدحه ربّ العالمين بها وثبّت ذكرها بالذات في كتابه من دون سائر الأخلاق فقال :
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٣٨٩.
(٢) المصدر / ص ٣٩١.
(٣) المصدر / ص ٣٩٢.