[٦] (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ)
أي المجنون (١) ، لأنّ افتتان الإنسان بأيّ شيء دليل اتباعه لغير العقل ، فإنّ العاقل لا ينهزم في الابتلاءات وعند الفتن ، إنّما يتجاوزها وينتصر عليها. وهو المضلل المصدود عن الحق (٢). فالمعنى أنّكم ستبصرون في المستقبل بمن هو مجنون ومن هو عاقل ، أو تكون الباء بمعنى في فيكون المفهوم أنّكم سوف ترون في أيّكم سكن الشيطان (المفتون عن الحق) فأعماه عن رؤيته ، وفتنة مثله عنه. وبالتالي سيظهر الطرف المحق الذي يتلقّى الهدى من ربه وهو الرسول ، وأنّ الرسالة ليست من إلقاءات الشيطان كما يزعم الجاهليون ، بل مواقفهم المعادية لها وللنبي وبهتانهم العظيم. ويبدو لي أنّ الباء هنا ضرورية وليس كما قال بعض المفسرين أنّها زائدة ، وذلك لأنّ الجنون حقيقة معنوية لا يمكن أن يبصرها الإنسان بذاتها ، وإنّما يبصرها من خلال الدلالات والعلائم الموحية بوجوده ، فهو يبصر بالواسطة ، ولعلّه لذلك جاءت الباء في الكلمة «بأيكم» كما جاءت في قوله تعالى : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) (٣) لأنّ الشجرة لا تثمر دهنا وانّما تثمر ثمرة فيها الدهن.
ونستوحي من الآية أنّ المنهج السليم لتقييم الأمور معرفة عواقبها ، لأن الإنسان في بادئ الأمر ومع المتغيرات قد يدخله الريب والتردد في استصدار حكمه الأخير على الأمور ، ولكنّها حينما تستقر في مستقبل الزمن يرى بوضوح تام الموقف الواقعي الحق منها.
__________________
(١) المنجد مادة فتن.
(٢) المصدر.
(٣) المؤمنون / ٢٠.