ولقد مضى القول في سورة النور وفي الصف عن أنّ القيادة الرسالية هي الأخرى مظهر وتجل لنور الله ، لأنّها صورة ناطقة لكتاب الله ومثل أعلى لرسالاته ، وإنّ اتباعها ينير للإنسان دروب الحياة الفرعية المتداخلة ، ومن هنا جاء في الحديث المأثور عن الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ : «لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار» (١).
والإسلام الأصيل لا يرى الإيمان مجرّد الإعتقاد (بالله وبالرسول وبالنور) ، إنّما الإيمان تسليم لله ، واتباع للرسول ، وتطبيق للكتاب ، وبعبارة : الإيمان هو العمل المستمر والمتقن والمخلص الذي يستمد جذوره من اليقين التام بهيمنة الله عزّ وجل ، وهذا ما نفهمه من النصوص الدينية ومن قوله سبحانه في هذه الآية :
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
فالمؤمن يقرأ في هذه الخاتمة أنّ عليه الاستمرار في الإيمان والعمل به ، وأن يخلص فيه لوجهه تعالى ، بل ويتقن أداءه ، لأنّه في حضرة خالقه الذي لا يمكنه خداعه أو التدليس عليه ، فهو الخبير بأعمال الإنسان بأشمل وألطف ممّا عند الإنسان نفسه.
وكلمة أخيرة : كما أنّ الرسالة نور وأنّ الرسول نور فإنّ من يحمل رسالة الرسول اليوم ويكون امتدادا لقيادته الربّانية ونائبا عن خلفائه الأمناء ـ عليهم السلام ـ فإنّه هو الآخر نور. أوليس داعيا إلى الله؟ أوليس يحمل رسالات ربه إلى العباد؟ كذلك كان علماء أمة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ كأنبياء بني إسرائيل. أو ليسوا هم خلفاء الرسول؟ وكذلك نقرأ في حديث النبي يعظ سلمان المحمّدي : «يا سلمان .. وإنّ أكرم العباد إلى الله بعد الأنبياء العلماء ، ثم حملة القرآن ، يخرجون من الدنيا كما يخرج الأنبياء ، ويحشرون من قبورهم مع الأنبياء ، ويمرّون
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٣٤١