التي اختارها بتمام وعيه وإرادته في الدنيا ، لذلك لا يستطيع أحد سجودا يوم يكشف عن ساق الجد رغم الدعوة الإلهية له إلى ذلك ، وتغطّي وجهه الذلة. لماذا؟ لأنّه أعرض عن السجود وقد كان في سلامة مادية ومعنوية في الدنيا ، وإنّ هذه الحقيقة تبعث في وجدان المؤمنين روح المسؤولية التي يعمّقها الوحي بتحذير الإنسان من أنّه لو كذّب بهذا الحديث فسوف يستدرجه من حيث لا يعلم ، الأمر الذي يصير به إلى سوء العذاب ، ولا يكون له في الآخرة من خلاق ، وذلك من متين كيده عزّ وجلّ الذي يحسبه المترفون خيرا.
ثانيا : الموقف الخاطئ من الرسالة والإعتقاد بأنّها مغرم ، لما فيها من مسئولية وبالذات واجب الإنفاق المفروض على أصحاب الثروة ، وإنّها لكبيرة على المترفين الذين أسرتهم الأموال ويتضاعف حرصهم كلّما فتح الله لهم أبوابا من الدنيا وأملى لهم.
ثالثا : البطر الذي يجعل الإنسان لا يشعر بالحاجة إلى الرسول والرسالة ، بل قد تراه يزعم أنّه قد أعطي الغيب بيده! الآية (٤٧).
وهذه الأسباب الثلاثة ذاتها تجعل الحركة التغييرية في أوساط المترفين وفي ظلّ هيمنتهم حركة بطيئة وصعبة مما يوجب على كلّ مصلح رسالي أخذها بعين الإعتبار ، فيصبر لحكم ربه ، مستقيما على رسالته لا يتراجع عنها ، ولا يصاب بردّة فعل سلبيّة قد تقوده إلى تكفير مجتمعة أو هجرته ، كما فعل النبي يونس بن متى ـ عليه السلام ـ الذي يئس من التغيير فدعى على قومه فابتلي بالسجن في بطن الحوت ، فإنّه يجب على كلّ رسالي الصبر في طريق الرسالة وإن كان المكذّبون يكادون من الحقد والبغض يزلقونه بأبصارهم ، ويمارسون ضده حربا إعلامية شعواء سلاحها الشائعات والتهم والدعايات المغرضة ، الآيات (٤٨).