وكما يجب أن يستقيم الداعية على أهدافه الربانية دون يئس من إصلاح الناس ، كذلك يجب أن لا يفقد ثقته برسالته فيشكك نفسه في قيمها لعدم تجاوب الناس معه أو لإعلام المترفين والمتسلطين ضدها.
بينات من الآيات :
[٣٤ ـ ٣٨] بعد التحذير من العذاب في الدنيا ومن العذاب الأكبر في الآخرة يرغّبنا السياق في الجزاء الحسن الذي أعدّ للمتقين دون سواهم ، وذلك بالتأكيد على أنّه لا يشمل كلّ من هبّ ودبّ ، لأنّ للجزاء الإلهي مقاييس دقيقة حيث يتناسب بنوعه وقدره ودرجات الناس الإيمانية وأعمالهم الصالحة.
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)
ولم يقل (جنات نعيم) لأنّ الألف واللام يجعلان الكلمة أوسع معنى ، فبينما يدل قولنا : (نعيم) على جزء منه يتسع النعيم لتمام المعنى مما يتناسب ومعالجة السياق لموضوع الترف حيث يسمو بالمؤمنين عن فتن الدنيا ويفتح أمامهم أفقا من النعيم الذي لا ينتهي عند حدّ ولا زمان فتتصاغر عنده الدنيا ، فلا يجدون ضيرا لأنّها زويت عنهم ، لأنّ الآخرة خالصة لهم ، كما قال تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (١) ، وبهذا تتعادل الصورة في أذهان المتقين بأنّهم إن لم يملكوا في الدنيا من متاعها فالآخرة خالصة لهم.
وببيان هذه الحقيقة أنّ الجنات للمتقين يمهّد القرآن لإبطال أماني المجرمين بتساويهم مع المؤمنين في الجزاء ، وتلك الأماني عامل من عوامل تكذيب المترفين
__________________
(١) الأعراف ٣٢.