أحد جهاته جعلا لهم كالمجرمين ، وكأنّهم لم يعملوا ما يتميّزون به عنهم ، بل وكأنّهم عملوا أعمالهم الإجرامية التي ساوت المصير والجزاء بين الفريقين ، وهذا ما ينكره كلّ عاقل سليم ، ويستنكره السياق :
(ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)
يعني على أيّ أساس ومنهج؟ ولا يملك المترفون المجرمون أمام هذا المنطق إلّا التسليم له ونبذ الأمنيات الباطلة بالعودة إلى الحق وتحمل المسؤولية في الحياة كضرورة وجدانية وعقلية. وإنّه ليضعهم أمام واحدة من إجابتين : فإما أن يحكموا بالتساوي ، وهذا ما يرفضه كل عاقل ، وإمّا أن يحكموا بالاختلاف وأنّ الثواب للمسلم والعذاب للمجرم (كما يحكم العقلاء) فلا بد إذن أن يضربوا بظنونهم عرض الحائط ، ثم كيف يتمنون على ربهم ذلك الحكم الجائر وهو المنزّه عن الظلم والجهل؟ وما أظهر تسفيه هاتين الآيتين لبعض الفلسفات الصوفية المفرطة في الرجاء ، التي يستبعد دعاتها أن يعذّب الله أحدا من الناس وهو الرؤوف الرحيم ، بل ويفسرون آيات العذاب القرآنية على أنّها لمجرد التخويف وسوق الناس نحو العمل بالحق ليس إلّا!!
إنّ أماني المترفين بالتساوي مع المؤمنين عند ربهم من العوامل الخطرة التي تدعوهم إلى التكذيب بالحق والحياة اللامسؤولة ، والتي تعيق فيهم أيّ سعي جاد ، بل وتبعث فيهم أسباب الاجرام. وأيّ قيمة تبقى للأحكام والحدود الإلهية إذا كفر الإنسان بحقيقة الجزاء وبأنّه من جنس العمل؟! وأيّ حافز للالتزام بأوامر الله ، والارتداع عن نواهيه يظلّ إذا كفرنا بالآخرة أو فصلنا بينهما وبين الدنيا؟! ولذلك يتصدى السياق حتى الآية (٤٥) للرد على تلك الأماني والظنون .. وهكذا بعد أن أوضح بأنّها لا تستند إلى أيّ دليل وجداني ولا عقلي ينفي استنادها إلى الوحي