المصدر الثاني للعلم الحق ، بل حتى إلى كتاب معتبر لدى العقلاء.
(أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ* إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ)
والكتاب الذي يدرسه الإنسان هو العلم الثابت الذي يعتمده منهجا في الحياة فيعكف على دراسته بالبحث لفهمه وتطبيق ما فيه ، وليس ثمّة كتاب إلهي ولا حتى بشري معتبر لدى الناس يساوي في قوانينه وقيمه بين البريء والمجرم مهما اختلفت الكتب البشرية والقوانين الوضعية في تحديد مصاديق المجرم ، لأنّ الكتاب الذي يخالف كلّ قيم العرف لن يكون مقبولا عند الناس ، وإذا يحكم المترفون بالتساوي عند الله بين المجرم والمسلم فإنّما ينطقون من الأهواء والأماني التي لا اعتبار لها عند العرف العام.
وهذه الآية تستثير فطرة الإنسان ووجدانه وتستشهد بما تعارف عليه الناس على اختلاف مذاهبهم وقومياتهم ، كما الآيات القرآنية الأخرى التي تفرّق بين المسلمين والمجرمين كالآية (٣٥) ، وبين الجاهل والعالم (١) ، وبين الأعمى والبصير (٢) ، وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار (٣).
والآية (٣٨) تكشف عن حقيقة يمكن لكلّ إنسان أن يلمسها في واقع المترفين المستكبرين السياسي والاجتماعي ، وهي أنّهم لا يريدون أن تحكم شريعة أو نظام قانون أنّى كان نوعها ، فحتى الدستور الذي يضعونه بأنفسهم ، وحسب القياسات التي يختارونها لحكمهم تراهم يتهربون منه ، ولا يرضون به حكما بينهم وبين الناس. لماذا؟ لأنّ ذلك الدستور مهما كان ظالما ومنحرفا لا بد أن ينطوي على نسبة
__________________
(١) الزمر ٩ (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).
(٢) فاطر ١٩ (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ).
(٣) الحشر ٢٠ (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ).