(فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)
والاجتباء هو الإختيار والاصطفاء ، وقد بيّن الله ذلك حتى لا تصير قصة يونس ـ عليه السلام ـ مع قومه سببا للطعن فيه ، والنيل من شخصيته. والآية تهدينا إلى أنّ الإنسان بعد الخطيئة والتوبة يمكن أن يسمو بنفسه إلى مقام يجتبيه ربه ، فيصيّره في عداد أئمة الصلاح والتقوى ، كما تهدينا عموم قصة يونس إلى أنّ الله يمتحن الرساليين بعناد أقوامهم ليرى هل يصبروا لحكمه أم لا.
وهذا جانب من القصة نقلها العيّاشي في تفسيره بالتفصيل : عن الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ قال : «كتب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ قال : حدّثني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّ جبرئيل حدّثه أنّ يونس بن متى بعثه الله إلى قومه وهو ابن ثلاثين سنة ، وكان رجلا تعتريه الحدّة ، وكان قليل الصبر على قومه والمداراة لهم ، وأنّه أقام فيهم يدعوهم إلى الإيمان بالله والتصديق به واتباعه ثلاثا وثلاثين سنة ، فلم يؤمن به ولم يتبعه من قومه إلّا رجلان : اسم أحدهما روبيل والآخر تنوخا ، وكان روبيل من أهل بيت العلم والنبوّة والحكمة ، وكان قديم الصحبة ليونس بن متى من قبل أن يبعثه الله بالنبوة ، وكان تنوخا رجلا مستضعفا عابدا زاهدا منهمكا في العبادة وليس له علم ولا حكم ، وكان روبيل صاحب غنم يرعاها ويتقوّت منها ، وكان تنوخا رجلا حطّابا يحتطب على رأسه ويأكل من كسبه ، وكان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا لعلم روبيل وحكمته وقديم صحبته ، فلمّا رأى أنّ قومه لا يجيبونه ولا يؤمنون ضجر ، وعرف من نفسه قلّة الصبر ، فشكا ذلك إلى ربه ، وكان فيما شكا أن قال : يا ربّ إنّك بعثتني إلى قومي ولي ثلاثون سنة فلبثت فيهم أدعوهم إلى الإيمان بك والتصديق برسالتي وأخوّفهم عذابك ونقمتك ثلاثا وثلاثين سنة فكذّبوني ، ولم يؤمنوا بي وجحدوا نبوتي واستخفّوا برسالتي ، وقد توعّدوني