الله ، مشيرا إلى قصة صاحب الحوت النبي يونس وتجربته مع قومه ، ومحذّرا له من الوقوف كموقفه في هذا الجانب ، يوصل الكلام بذلك الأمر ، مؤكدا على الصبر في طريق الرسالة ، مهما كانت التحديات المضادة والضغوط مدعاة للتخلّي عن الرسالة أو ردّات الفعل العشواء ضد المكذبين والكافرين.
(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ)
أي اصبر لحكم ربك بالرغم من ذلك ، والزلق من الانحراف ، قال صاحب المنجد : أزلقه : أزلّه وأبعده عن مكانه ونحّاه ، وزلقت القدم : لم تثبت ، والفرس : أجهضت وألقت ولدها قبل تمامه ، والأرض الزلقة : الملساء التي لا شيء فيها (١) ، ولا تثبت عليها قدم .. فيزلقوك إذن بمعنى يزلّون قدمك عن مسيرة الحق ، سواء بالمداهنة التي يودّها المكذّبون أو بالمواجهة والتحدي.
ولقد ذهب أكثر المفسرين إلى أنّ معنى الإزلاق بالإبصار هو الحسد الّذي يؤثّر في الإنسان بصورة غيبية ، ونقلوا عن الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ : «إنّ العين تدخل الرجل إلى القبر ، والجمل إلى القدر» وقوله يعوّذ الحسنين : «أعيذ كما بكلمات الله التامة ، وأسمائه الحسنى كلّها عامة ، من شرّ السامّة والهامّة ، ومن شرّ كلّ عين لامّة ، ومن شرّ حاسد إذا حسد» (٢) ، وقد يكتشف البشر أسرار ظاهرة الحسد إذا تقدموا في العلم ودراسة الحالات النفسية ، ولكنّ الأقرب من هذا المعنى أنّها كناية عن المواقف الحاقدة التي تعبّر عنها نظراتهم الحادة كالسهم النافد وكحدّ الحسام المرهف. ونحن من هذه الظاهرة البصريّة يجب أن ننطلق لمعرفة ما وراءها وما تعبّر عنه من الضغوط ، والمواقف النفسية والاجتماعية والسياسية للكفّار ضد
__________________
(١) المنجد مادة زلق.
(٢) نور الثقلين ج ٥ ص ٤٠٠.