ولكن تبقى (الواقعة) أجلى آيات الجزاء والحق معا بالنسبة للإنسان ، حيث ينفخ في الصور ، وتحدث التحولات الكونية الهائلة والمفزعة ، وتتجلّى الملائكة المقرّبون يحملون عرش الله ، ويعرض يومئذ الناس بكيانهم وأعمالهم لا تخفى منهم خافية ، ولعله لذلك جاءت تسمية القيامة في هذه السورة بالحاقة .. باعتبارها ذات وجهين : يتصل الأول بالجزاء التي هي عرصته وأعظم آياته ، ويتصل الثاني بالحق ، إذ هي جزء لا ينفك من أعظم حقائق الوجود ، ولقد سمّاها ربنا في نهاية الدرس بالواقعة للمبالغة في التأكيد على أنّها حقيقة واقعية لا بد أن تقع ، ومن ثم فإنّ التكذيب بها لا ينفيها ولا يمنع وقوعها أو حتى يغيّر أجلها.
وتبقى الآية (لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) محورا في هذا السياق بل في سياق السورة كلها ، إذ لا تدرك غور الآيات بما تتضمنه الحقائق إلّا تلك القلوب الزاكية التي صيّرها الإيمان والعلم أذنا لوحي الله وآياته.
بينات من الآيات :
[١ ـ ٣] إنّ الايمان بالآخرة ـ وكما أكّدنا مرارا ـ حجر الأساس في الإيمان بسائر القيم والمبادئ ، ولذلك لا تكاد تخلو سورة قرآنية من التأكيد عليها ، بل وإنّ الحديث بشأنها ترهيبا وترغيبا أصبح السمة الأساسية للجزئين الأخيرين (تبارك وعمّ) المكيين في الأغلب عدا سورة (الإنسان الزلزلة والنصر) ، وإذ يوليها الربّ هذا الاهتمام فلعلمه بموقعها في بناء شخصية الإنسان.
والّذي يتتبع حديث القرآن عن الآخرة يجد أنه عبّر عنها بعدة أسماء تختلف في ظاهرها وبعض مضامينها ، كأن يكون كلّ اسم يعبّر عن جانب أو مرحلة زمنية منها ، إلّا أنّ هدفها واحد لا يتجزأ ، وهو زرع الإيمان بالآخرة وتعميقه في النفوس لتتبصر من خلالها بسائر الحقائق. وهنا تطالعنا أولى الآيات باسم من أسماء القيامة