وعبر بلاغة فائقة ، تهتز لها القلوب ، وتقشعرّ منها جلود المؤمنين.
[الحاقّة]
وللمفسرين أقوال كثيرة في معنى هذه الكلمة ، ولماذا سميت القيامة بها؟ وأبرزها التفسيرات التالية أولا : اللازمة الواجبة الوقوع ، قال تعالى : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) (١) أي وقع فأوجبته ، وقال : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) (٢) أي وجب ولزم ، ثانيا : المحيطة ، جاء في المنجد : حاق بهم العذاب : نزل وأحاط ، والحيق : ما يشتمل على الإنسان ويلزمه من مكروه فعله ، قال تعالى (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (٣) أي لا يقع ويحيط إلّا بهم ، وقال : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٤) يعني وقع وأحاط.
والّذي يبدو لي من معنى الكلمة بالإضافة إلى ما تقدم : أنّها الحق الّذي يقع فيكشف عن الحقائق ويظهرها ، كما قال الله : (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) (٥) يعني يثبته ويظهره ويجعل الغلبة له على الباطل. ونحن إذا عرفنا بأنّ أكثر الناس محجوبون بألوان الأغطية عن معاينة الحق فسنهتدي بسهولة إلى معنى «الحاقّة» إذ هي التي تكشف عن الإنسان غطاءه ، وتجعل بصره حديدا يرى الحقائق ، حقيقة ما جاءت به الأنبياء والكتب الإلهية ، وحقيقة نفسه وأعماله ، هل هو من أصحاب الحق «اليمين» أم من أصحاب الباطل «الشمال»؟ وحقيقة
__________________
(١) السجدة / ١٣
(٢) الزمر / ١٩
(٣) فاطر / ٤٣
(٤) هود / ٨
(٥) الأنفال / ٧