[٤ ـ ٨] إذن فكيف نؤمن بالحاقة؟
إنّنا لسنا مطالبين بمعرفة دقائق القيامة وتفصيلات وقائعها ، فإذا عجزنا عن ذلك كفرنا بها. كلّا .. إنّما يكفي لكي يأخذ الإيمان بها دوره في حياتنا أن نسلّم بأصل وجودها ، وكونها حقّا لازما مفروضا من قبل الله عزّ وجلّ .. وانّ نظرة معتبرة إلى التاريخ تهدينا إلى ذلك ، حيث أنّ كلّ ما حلّ بالأقوام الأولين صورة مصغّرة عن سنّة الجزاء التي تتجلّى بكامل حجمها ومعناها يوم القيامة ، والدراسة الموضوعية لحضاراتهم وبالذات عند منعطف النهاية والدمار تكشف بوضوح أنّ حركة التاريخ ليست عفوية تدور في الفراغ ، بل هي محكومة بقوانين وسنن ومن أبرزها ـ على صعيد الأمم ـ سنّة الجزاء ويضرب القرآن أمثلة على ذلك رابطا بين دمار الأقوام بالعذاب وتكذيبهم بالحق.
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ)
وثمود قوم صالح (ع) بينما عاد قوم هود (ع) ، والقارعة التي تقرع الناس ، وأساس القرع في اللغة هو الضرب ، يقال : قرعت الباب إذا دقّت وضربها ضارب ، وقرعته بالعصا : أي ضربته ، وسواء كانت القارعة هي الواقعة التي قرعت حياتهم في الدنيا ، أو الآخرة التي سوف تقرع الدنيا عند الساعة ، فأصلها واحد وهو الجزاء ، وحيث ندرس حياة عاد وثمود نجد أنّهما كذّبوا ليس بالجزاء وحسب ، بل كذّبوا بالرسل والرسالات وسائر آيات الله ، ولكنّهم في الحقيقة إنّما انطلقوا إلى كلّ ذلك التكذيب العريض والشامل من خلال التكذيب بالجزاء وبالذات الآخرة ، الأمر الذي دعاهم بالإضافة إلى التكذيب بالحقائق الأخرى إلى الطغيان في الانحراف ، وممارسة الذنوب ، وهذه نتيجة طبيعية للتكذيب بالجزاء أن يتحلّل البشر من قيود المسؤولية وحدودها.