السماء ماء إلّا بمكيال أو ميزان إلّا زمن نوح (ع) فإنّه طغى على خزّانه ، فنزل من غير كيل ولا وزن (١) ، وأخرج بن جرير عن الإمام علي (ع) قال : «لم تنزل قطرة من ماء إلّا بمكيال على يدي ملك ، إلّا يوم نوح فإنّه أذن للماء دون الخزّان فطغى على الخزّان فخرج» (٢) ، ولا يعني ذلك أنّه لا مكيال ولا وزن معلوم له عند الله ، كلا .. وإنّما المعنى أنّ الله لا ينزل الأمطار إلّا عبر حسابات دقيقة ، تتناسب مع حاجات الخلق ، أمّا في الطوفان فقد أمر السماء والأرض أن تتفجّر ماء مّا تستطيعان.
ولم يقل الله : (حملناهم) يعني الذين ركبوا السفينة مع نوح ، بل قال : «حملناكم» موجّها الخطاب للبشرية جمعاء ، لأنّها يوم الطوفان كانت منحصرة فيهم ، وليس الناس بعدها إلّا نسل أولئك ، فنحن معنيّون بالحمل أيضا ، إذ لو لا السفينة لما كنّا الآن موجودين.
[١٢] وبعد العرض الموجز لقصة الطوفان في آية واحدة يوجّهنا القرآن إلى العبرة الهامّة منها ، والتي يقتضي الإشارة إليها ، وهي : أنّ بقاء السفينة ونجاة ركّابها في ذلك الطوفان المروّع آية إلهية عظيمة ، تذكّرنا بكثير من الحقائق الإيمانية ، إذا كانت ثمّة أذن واعية تستوعب ما تذكّر به.
(لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً)
وإنّ مرورا سريعا بآية (الجارية) يذكّرنا بهيمنة الله على الوجود ، وسنّة الجزاء ، ولطف ربّنا ، ودور الإيمان به ، واتباع رسله ورسالاته في نجاة الإنسان ، وفضل الأنبياء على البشرية .. وهكذا الكثير من الحقائق التي من شأنها زراعة تقوى الله
__________________
(١) الدر المنثور / ج ٦ ص ٢٦٠
(٢) المصدر / ص ٢٥٩