وتعميقها في النفس ، وما أحوج البشرية أن تدرس هذه الآية لتتذكّر بها لتتجنّب الأخطاء ، وتبني الحياة السعيدة ، إلّا أنّنا لا نعيرها اهتماما ولا جزء من تفكيرنا ، بل نمرّ عليها مرور الغافلين اللّاأباليين ، وكأنّها مجرد قصة خياليّة أو قصة تروى للتسلية.
بلى. إنّ الآيات والحقائق كما الماء والكائنات الأخرى تحتاج إلى وعاء يستوعبها ، ولكن من جنس آخر. إنّه القلب المزكّى بالإيمان والعرفان هو وحده وعاؤها ، وإنّ في قصة الإعدام الجماعي للبشرية بالطوفان لدرسا يجب أن يبقى نصب أعين الناجين ، يعمّق فيهم الخشية من ربهم ، ويحيي ضمائرهم ، ويستثير عقولهم باتجاه الحق أبد الدهر.
(وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)
أي تعي التذكرة. ومن وصل هذه النهاية بالشطر السابق للآية نهتدي إلى أنّ المسيرة الطبيعية للبشرية هي مسيرة التقدم ، حيث تتراكم خبراتها وتجاربها عبر الزمن ، ممّا يزيد وعيها ومعارفها وإيمانها ، هذا إذا كانت من الناحية المعنوية سليمة وذات أذن واعية ، أمّا إذا لم تصل بنفسها إلى مستوى القدرة على عقل الحقائق واستيعابها فإنّها لن تتقدم إلى الامام ، بل ستهوي في ذات المزالق التي دفع فيها السابقون ، وستواجه ذات المصير. بلى. إنّ تلك القصص نداءات موجّهة إلينا لا يسمعها الصمّ ، وقال تعالى «أذن» لأن السمع هو نافذة المعرفة الإنسانية على التاريخ ، ووصفها ب «واعية» لكي يهدينا بأنّ منهج القرآن في بيان الحق والتذكير به منهج كامل لا نقص فيه ، فإذا لم يستوعبه الإنسان أو لم يقبله فإن الإشكال فيه ، لأنّ أذنه غير واعية ، وليس في رسالة الله ، ولا شك أنّ المقصود هو ما وراء الأذن وليست الأذن بذاتها ، لأنّها ليست وعاء للعلم بل وسيلة موصلة إلى وعائه وهو