أن يجعلها أذنك يا علي» (١) وفي تفسير القرطبي روى مكحول : أنّ النبي (ص) قال عند نزول هذه الآية : «سألت ربّي أن يجعلها أذن علي» قال مكحول : فكان علي (رض) يقول : «ما سمعت من رسول الله (ص) شيئا قطّ فنسيته إلّا وحفظته» (٢) أي ما كنت أنساه وما كنت إلّا أحفظه. وعن الحسن نحوه ذكره الثعلبي ، قال : لمّا نزلت «الآية» قال النبي (ص) : «سألت ربي أن يجعلها أذنك يا علي» قال علي : «فما نسيت شيئا بعد وما كان لي أن أنسى» (٣) ، وإنّما طلب النبي ذلك من الله لأنّه يعلم بأنّ عليّا هو الامتداد الحقيقي له ولحظة ، فلا بد أن يستوعب رسالته .. وتتسع الآية لمصاديق أخرى وبدرجات متفاوتة ، إذ أنّ كلّ أذن واعية هي مصداق لها.
إنّ التاريخ معلّم للبشرية ، ويجب أن تتلمذ في مدرسته ، لأنّ ذلك هو السبيل للتقدم والسعادة في الدارين ، فهي لو درست تاريخها وتفكرت في حوادثه ومنعطفاته فسوف تهتدي إلى الحق في كلّ صعيد وجانب من الحياة .. تهتدي إلى ربها لأنّ التاريخ كله آيات موصلة إلى الإيمان به ، وتهتدي إلى الكثير من السنن والقوانين والحقائق الحضارية التي من شأنها لو وعتها أن تتجنب الأخطاء والأخطار ، وتجد طريقها إلى المجد والفلاح.
[١٣ ـ ١٤] ثم ينعطف السياق للحديث عن الآخرة لأنّها الحاقة العظمى ، وأجلى صورة لسنّة الجزاء في الوجود .. وإنّ الأذن الواعية ليتذكر صاحبها بحوادث التاريخ ، وما لقيته الأقوام في الدنيا عن الجزاء الإلهي فيعي بذلك حقيقة الآخرة ،
__________________
(١) المصدر
(٢) القرطبي / ج ١٨ ص ٢٦٤.
(٣) المصدر ذكر ذلك وذكره الكشاف ، الرازي ، فتح القدير ، الدر المنثور ، شواهد التنزيل للحسكاني ، أسباب النزول للنيسابوري / عند تفسير الآية فراجع.