قال رسول الله (ص): «أحب عباد الله إلى الله جلّ جلاله أنفعهم لعباده ، وأقومهم بحقّه» (١) ، جاء في حديث قدسي أنّ الله عزّ وجلّ قال : «الخلق عيالي ، فأحبّهم إليّ ألطفهم بهم ، وأسعاهم في حوائجهم» (٢) ، وحيث ننعم الفكر في العلاقة بين الكفر بالله وعدم الحض على طعام المسكين نهتدي إلى أنّ المعنيّين بالآيتين لا خلاق لهم في الآخرة ، ولذلك يعذّبون دون رحمة ، لأنّهم لا إيمان لهم بالله يدعوهم إلى العمل الصالح من الزاوية الدينية ، ولا إنسانية تدعوهم إلى الإحسان ، فقد يكون الإنسان كافرا بالله أو مشركا ولكن تبقى فيه بقيّة من الإنسانية تحثّه على بعض الخير ، فهو إن لم يخفّف عنه العذاب لإيمانه فسوف يخفّف عنه لإنسانيته ، حيث لا يضيع الله أجر المحسنين.
وإذا آمنّا بهذه الفكرة في ضوء الإيمان بأنّ الجزاء الأخروي صورة لعمل الإنسان واختياره في الدنيا فإنّ تعامل أصحاب الشمال الصلف مع عيال الله المساكين فيها هو الذي يحدّد نوع تعامل الله معهم يوم الجزاء. قال الزمخشري : دليلان قويّان على عظم الجرم في حرمان المسكين : أحدهما : عطفه على الكفر وجعله قرينة له ، والثاني : ذكر الحض دون الفعل ، ليعلم أنّ تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل؟ (٣).
(فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ)
وهو القريب الذي يهتم بالإنسان ويحامي عنه ، فأمثاله من المجرمين مشغولون بأنفسهم عن غيرهم ، وأمّا المؤمنون فإنّه عدوّهم وهم أعداؤه لكفره بالله ، ومن يجرأ
__________________
(١) موسوعة بحار الأنوار / ج ٧٧ ص ١٥٢.
(٢) أصول الكافي / ج ٢ ص ١٩٩.
(٣) الكشّاف / ج ٤ ص ٦٠٥.