ويبدو أنّ السؤال لم يكن سؤال مستفهم ، بل سؤال مكذّب مستهزء ، ولهذا عدّي الفعل بالباء فأعطى معنى التكذيب ، فكأنه قال : سأل سائل مكذّب بعذاب واقع. وهكذا أوحى النص بأنّ الدافع إلى السؤال لم يكن المعرفة وإنّما التشكيك به.
وإذ يقع عذاب الله فإنّه ـ وإن كان ـ يبدّل وجه الكون وعلاقات أجزائه ببعضها فتكون السماء كالمهل والجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما ، إلّا أنّه لا يخرج عن إطار حكمة الله وإرادته إلى حالة الفوضى ، وإنّما يكون بقدر ، ولا يصيب إلّا من يشاء الله ، فإذا بك تراه وقد حان حينه لا يقع إلّا على الكافرين ، الذين لا يجدون ما يدفعونه به عن أنفسهم.
(لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ)
يحجزه عنهم ويدفعه عن ساحتهم ، وما عسى أن تبلغ قدرة أحد حتى يكون قادرا على دفع عذاب يصيّر السماء كالمهل والجبال كالعهن ، ويقطع الروابط الحميمة بين الأخلّاء والأنساب لهوله وشدّته! والإنسان هناك لا يفكّر إلّا في خلاص نفسه ، فلا يسأل عن غيره ، فكيف السعي لدفع العذاب عنه؟! بلى. يستطيع الإنسان دفع العذاب عن نفسه يومئذ بفضل الله ورحمته ، وبعمله الصالح ، ولم يترك الكافرون بينهم وبين الله صلة كي يرحمهم ، بل سدّوا عن أنفسهم كلّ أبواب الرحمة بكفرهم وعتوّهم عن الحق والرسل ، ولم يقدّموا لآخرتهم ومستقبلهم عملا صالحا.
وعلى ضوء هذه الآية الكريمة ينبغي للإنسان أن يكشف عن نفسه وعقله حجب الضلال والشرك المتمثلة في العقائد السفيهة التي تجنح به نحو الموبقات والشهوات ومخالفة الحق ، ظنّا بأنّ أحدا من الجن أو الإنس أو الأصنام يخلّصه من عذاب الله وسطوته ، أو العقيدة الباطلة بأنّ الله لن يعذّب عباده لأنّه رحيم ودود ، فإذا به يودّ ويطمع أن يدخل الجنة على جناح التمنيات بلا أيّ سعي وعمل!